مصراوي للإلكترونيات وخدمات الصيانة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مصراوي للإلكترونيات وخدمات الصيانة

lcd,tv,رسيفر,تليفزيون,شاشه,كمبيوتر,سوفت,برامج,بلازما.توشيبا,شحن فلاشه,


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

صحيح البخاري {{بداء الوحي }}

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:16

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان الحكم بن نافع ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ‏ ‏أن ‏ ‏عبد الله بن عباس ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏أبا سفيان بن حرب ‏ ‏أخبره ‏
‏أن ‏ ‏هرقل ‏ ‏أرسل إليه في ‏ ‏ركب ‏ ‏من ‏ ‏قريش ‏ ‏وكانوا تجارا ‏ ‏بالشأم ‏ ‏في المدة التي كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ماد ‏ ‏فيها ‏ ‏أبا سفيان ‏ ‏وكفار ‏ ‏قريش ‏ ‏فأتوه وهم ‏ ‏بإيلياء ‏ ‏فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء ‏ ‏الروم ‏ ‏ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال ‏ ‏أبو سفيان ‏ ‏فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن ‏ ‏يأثروا ‏ ‏علي كذبا لكذبت عنه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه ‏ ‏سجال ‏ ‏ينال منا وننال منه قال ماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق ‏ ‏والعفاف ‏ ‏والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل ‏ ‏يأتسي ‏ ‏بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ‏ ‏ليذر ‏ ‏الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق ‏ ‏والعفاف ‏ ‏فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه ‏ ‏لتجشمت ‏ ‏لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الذي بعث به ‏ ‏دحية ‏ ‏إلى عظيم ‏ ‏بصرى ‏ ‏فدفعه إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏فقرأه فإذا فيه ‏ ‏بسم الله الرحمن الرحيم ‏ ‏من ‏ ‏محمد ‏ ‏عبد الله ورسوله إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏عظيم ‏ ‏الروم ‏ ‏سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك ‏ ‏بدعاية ‏ ‏الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن ‏ ‏توليت ‏ ‏فإن عليك إثم ‏ ‏الأريسيين ‏ ‏و ‏
صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B‏يا ‏ ‏أهل الكتاب ‏ ‏تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‏صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D
‏قال ‏ ‏أبو سفيان ‏ ‏فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده ‏ ‏الصخب ‏ ‏وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ‏ ‏ابن أبي كبشة ‏ ‏إنه يخافه ملك ‏ ‏بني الأصفر ‏ ‏فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ‏ ‏ابن الناظور ‏ ‏صاحب ‏ ‏إيلياء ‏ ‏وهرقل ‏ ‏سقفا ‏ ‏على ‏ ‏نصارى ‏ ‏الشأم ‏ ‏يحدث أن ‏ ‏هرقل ‏ ‏حين قدم ‏ ‏إيلياء ‏ ‏أصبح يوما ‏ ‏خبيث النفس ‏ ‏فقال بعض ‏ ‏بطارقته ‏ ‏قد استنكرنا هيئتك قال ‏ ‏ابن الناظور ‏ ‏وكان ‏ ‏هرقل ‏ ‏حزاء ‏ ‏ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا ليس يختتن إلا ‏ ‏اليهود ‏ ‏فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى ‏ ‏مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من ‏ ‏اليهود ‏ ‏فبينما هم على أمرهم أتي ‏ ‏هرقل ‏ ‏برجل أرسل به ملك ‏ ‏غسان ‏ ‏يخبر عن خبر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلما استخبره ‏ ‏هرقل ‏ ‏قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن ‏ ‏العرب ‏ ‏فقال هم يختتنون فقال ‏ ‏هرقل ‏ ‏هذا ملك هذه الأمة قد ‏ ‏ظهر ‏ ‏ثم كتب ‏ ‏هرقل ‏ ‏إلى صاحب له ‏ ‏برومية ‏ ‏وكان نظيره في العلم وسار ‏ ‏هرقل ‏ ‏إلى ‏ ‏حمص ‏ ‏فلم يرم ‏ ‏حمص ‏ ‏حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي ‏ ‏هرقل ‏ ‏على خروج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنه نبي فأذن ‏ ‏هرقل ‏ ‏لعظماء ‏ ‏الروم ‏ ‏في ‏ ‏دسكرة ‏ ‏له ‏ ‏بحمص ‏ ‏ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر ‏ ‏الروم ‏ ‏هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ‏ ‏فحاصوا ‏ ‏حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى ‏ ‏هرقل ‏ ‏نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي ‏ ‏آنفا ‏ ‏أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن ‏ ‏هرقل ‏

‏رواه ‏ ‏صالح بن كيسان ‏ ‏ويونس ‏ ‏ومعمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري

https://eioe.forum.st

2صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:18

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


الباري بشرح صحيح البخاري



‏قوله : ( قال حدثنا أبو اليمان ) ‏
‏في رواية الأصيلي وكريمة : حدثنا الحكم بن نافع , وهو هو , أخبرنا شعيب : هو ابن أبي حمزة دينار الحمصي , وهو من أثبات أصحاب الزهري . ‏

‏قوله : ( أن أبا سفيان ) ‏
‏هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . ‏

‏قوله : ( هرقل ) ‏
‏هو ملك الروم , وهرقل : اسمه , وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف , ولقبه قيصر , كما يلقب ملك الفرس : كسرى ونحوه . ‏

‏قوله : ( في ركب ) ‏
‏جمع راكب كصحب وصاحب , وهم أولو الإبل , العشرة فما فوقها . والمعنى : أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب , وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه , وكان عدد الركب ثلاثين رجلا , رواه الحاكم في الإكليل . ولابن السكن : نحو من عشرين , وسمى منهم المغيرة بن شعبة في مصنف ابن أبي شيبة بسند مرسل , وفيه نظر ; لأنه كان إذ ذاك مسلما . ويحتمل أن يكون رجع حينئذ إلى قيصر ثم قدم المدينة مسلما . وقد وقع ذكره أيضا في أثر آخر في كتاب السير لأبي إسحاق الفزاري , وكتاب الأموال لأبي عبيد من طريق سعيد بن المسيب قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر . الحديث وفيه : فلما قرأ قيصر الكتاب قال : هذا كتاب لم أسمع بمثله . ودعا أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة وكانا تاجرين هناك , فسأل عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قوله : ( وكانوا تجارا ) بضم التاء وتشديد الجيم , أو كسرها والتخفيف جمع تاجر . ‏
‏قوله : ( في المدة ) يعني مدة الصلح بالحديبية , وسيأتي شرحها في المغازي , وكانت في سنة ست , وكانت مدتها عشر سنين كما في السيرة , وأخرجه أبو داود من حديث ابن عمر , ولأبي نعيم في مسند عبد الله بن دينار : كانت أربع سنين , وكذا أخرجه الحاكم في البيوع من المستدرك , والأول أشهر . لكنهم نقضوا , فغزاهم سنة ثمان وفتح مكة . وكفار قريش بالنصب مفعول معه . ‏
‏قوله ( فأتوه ) تقديره : أرسل إليهم في طلب إتيان الركب فجاء الرسول يطلب إتيانهم فأتوه , كقوله تعالى ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت ) أي : فضرب فانفجرت . ووقع عند المؤلف في الجهاد أن الرسول وجدهم ببعض الشام , وفي رواية لأبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع وهو غزة . قال : وكانت وجه متجرهم . وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري , وزاد في أوله عن أبي سفيان قال : كنا قوما تجارا , وكانت الحرب قد حصبتنا , فلما كانت الهدنة خرجت تاجرا إلى الشام مع رهط من قريش , فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلا وقد حملني بضاعة . فذكره . وفيه : فقال هرقل لصاحب شرطته : قلب الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه . فوالله إني وأصحابي بغزة , إذ هجم علينا فساقنا جميعا . ‏

‏قوله : ( بإيلياء ) ‏
‏بهمزة مكسورة بعدها ياء أخيرة ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء أخيرة ثم ألف مهموزة , وحكى البكري فيها القصر , ويقال لها أيضا إليا بحذف الياء الأولى وسكون اللام حكاه البكري , وحكى النووي مثله لكن بتقديم الياء على اللام واستغربه , قيل : معناه بيت الله . وفي الجهاد عند المؤلف أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لله . زاد ابن إسحاق عن الزهري أنه كان تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين فيمشي عليها , ونحوه لأحمد من حديث ابن أخي الزهري عن عمه . وكان سبب ذلك ما رواه الطبري وابن عبد الحكم من طرق متعاضدة ملخصها أن كسرى أغزى جيشه بلاد هرقل , فخربوا كثيرا من بلاده , ثم استبطأ كسرى أميره فأراد قتله وتولية غيره , فاطلع أميره على ذلك فباطن هرقل واصطلح معه على كسرى وانهزم عنه بجنود فارس , فمشى هرقل إلى بيت المقدس شكرا لله تعالى على ذلك . واسم الأمير المذكور شهر براز واسم الغير الذي أراد كسرى تأميره فرحان . ‏

‏قوله : ( فدعاهم في مجلسه ) ‏
‏أي : في حال كونه في مجلسه , وللمصنف في الجهاد " فأدخلنا عليه , فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج " . ‏

‏قوله : ( وحوله ) ‏
‏بالنصب ; لأنه ظرف مكان . ‏

‏قوله : ( عظماء ) ‏
‏جمع عظيم . ولابن السكن : فأدخلنا عليه وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان والروم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام على الصحيح , ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وسليح وغيرهم من غسان كانوا سكانا بالشام , فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم فاستوطنوها فاختلطت أنسابهم . ‏

‏قوله : ( ثم دعاهم ودعا ترجمانه ) ‏
‏وللمستملي " بالترجمان " مقتضاه أنه أمر بإحضارهم , فلما حضروا استدناهم لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم فينزل على هذا , ولم يقع تكرار ذلك إلا في هذه الرواية . والترجمان بفتح التاء المثناة وضم الجيم ورجحه النووي في شرح مسلم , ويجوز ضم التاء إتباعا , ويجوز فتح الجيم مع فتح أوله حكاه الجوهري , ولم يصرحوا بالرابعة وهي ضم أوله وفتح الجيم , وفي رواية الأصيلي وغيره " بترجمانه " يعني أرسل إليه رسولا أحضره صحبته , والترجمان المعبر عن لغة بلغة , وهو معرب وقيل عربي . ‏

‏قوله : ( فقال : أيكم أقرب نسبا ) ‏
‏أي : قال الترجمان على لسان هرقل . ‏

‏قوله : ( بهذا الرجل ) ‏
‏زاد ابن السكن : الذي خرج بأرض العرب يزعم أنه نبي . ‏

‏قوله : ( قلت أنا أقربهم نسبا ) ‏
‏في رواية ابن السكن : فقالوا هذا أقربنا به نسبا , هو ابن عمه أخي أبيه . وإنما كان أبو سفيان أقرب لأنه من بني عبد مناف , وقد أوضح ذلك المصنف في الجهاد بقوله : قال ما قرابتك منه ؟ قلت : هو ابن عمي . قال أبو سفيان : ولم يكن في الركب من بني عبد مناف غيري ا ه . وعبد مناف الأب الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان , وأطلق عليه ابن عم لأنه نزل كلا منهما منزلة جده , فعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم أمية بن عبد شمس بن عبد مناف , وعلى هذا ففيما أطلق في رواية ابن السكن تجوز , وإنما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا أكثر من غيره ; ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب , وظهر ذلك في سؤاله بعد ذلك : كيف نسبه فيكم ؟ وقوله " بهذا الرجل " ضمن " أقرب " معنى " أوصل " فعداه بالباء , ووقع في رواية مسلم " من هذا الرجل " وهو على الأصل . وقوله " الذي يزعم " في رواية ابن إسحاق عن الزهري " يدعي " . وزعم : قال الجوهري بمعنى قال , وحكاه أيضا ثعلب وجماعة كما سيأتي في قصة ضمام في كتاب العلم . قلت : وهو كثير ويأتي موضع الشك غالبا . ‏

‏قوله : ( فاجعلوهم عند ظهره ) ‏
‏أي : لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب , وقد صرح بذلك الواقدي . وقوله " إن كذبني " بتخفيف الذال أي : إن نقل إلي الكذب . ‏
‏قوله : ( قال ) أي : أبو سفيان . وسقط لفظ قال من رواية كريمة وأبي الوقت فأشكل ظاهره , وبإثباتها يزول الإشكال . ‏

‏قوله : ( فوالله لولا الحياء من أن يأثروا ) ‏
‏أي : ينقلوا علي الكذب لكذبت عليه . وللأصيلي عنه أي : عن الإخبار بحاله . وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق , أو بالعرف . وفي قوله يأثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم بعدم التكذيب أن لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم , لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابا . وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك ولفظه " فوالله لو قد كذبت ما ردوا علي " ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب , وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به , فلم أكذبه . وزاد ابن إسحاق في روايته : قال أبو سفيان : فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف , يعني هرقل . ‏

‏قوله : ( كان أول ) ‏
‏هو بالنصب على الخبر , وبه جاءت الرواية , ويجوز رفعه على الإسمية . ‏

‏قوله : ( كيف نسبه فيكم ؟ ) ‏
‏أي : ما حال نسبه فيكم , أهو من أشرافكم أم لا ؟ فقال : هو فينا ذو نسب . فالتنوين فيه للتعظيم , وأشكل هذا على بعض الشارحين , وهذا وجهه . ‏

‏قوله : ( فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ ) ‏
‏وللكشميهني والأصيلي بدل قبله " مثله " فقوله : منكم أي : من قومكم يعني قريشا أو العرب . ويستفاد منه أن الشافعي يعم ; لأنه لم يرد المخاطبين فقط . وكذا قوله فهل قاتلتموه ؟ وقوله بماذا يأمركم ؟ واستعمل قط بغير أداة النفي وهو نادر , ومنه قول عمر " صلينا أكثر ما كنا قط وآمنه ركعتين " ويحتمل أن يقال إن النفي مضمن فيه كأنه قال : هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط . ‏

‏قوله : ( فهل كان من آبائه ملك ؟ ) ‏
‏ولكريمة والأصيلي وأبي الوقت بزيادة " من " الجارة , ولابن عساكر بفتح من وملك فعل ماض , والجارة أرجح لسقوطها من رواية أبي ذر , والمعنى في الثلاثة واحد . ‏

‏قوله : ( فأشراف الناس اتبعوه ) ‏
‏فيه إسقاط همزة الاستفهام وهو قليل , وقد ثبت للمصنف في التفسير ولفظه : أيتبعه أشراف الناس ؟ والمراد بالأشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم , لا كل شريف , حتى لا يرد مثل أبي بكر وعمر وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال . ووقع في رواية ابن إسحاق : تبعه منا الضعفاء والمساكين , فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد . وهو محمول على الأكثر الأغلب . ‏

‏قوله : ( سخطة ) ‏
‏بضم أوله وفتحه , وأخرج بهذا من ارتد مكرها , أو لا لسخط لدين الإسلام بل لرغبة في غيره كحظ نفساني , كما وقع لعبيد الله بن جحش . ‏

‏قوله : ( هل كنتم تتهمونه بالكذب ؟ ) ‏
‏أي : على الناس وإنما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال عن نفس الكذب تقريرا لهم على صدقه ; لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها , ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر . ‏

‏قوله : ( ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا ) ‏
‏أي : أنتقصه به , على أن التنقيص هنا أمر نسبي , وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة , وقد كان معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر . ولما كان الأمر مغيبا - لأنه مستقبل - أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب , ولهذا أورده بالتردد , ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه . وقد صرح ابن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك بقوله " قال فوالله ما التفت إليها مني " . ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة مرسلا " خرج أبو سفيان إلى الشام - فذكر الحديث , إلى أن قال - فقال أبو سفيان : هو ساحر كذاب . فقال هرقل : إني لا أريد شتمه , ولكن كيف نسبه - إلى أن قال - فهل يغدر إذا عاهد ؟ قال : لا , إلا أن يغدر في هدنته هذه . فقال : وما يخاف من هذه ؟ فقال : إن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه . قال : إن كنتم بدأتم فأنتم أغدر " . ‏

‏قوله : ( سجال ) ‏
‏بكسر أوله , أي : نوب , والسجل الدلو , والحرب اسم جنس , ولهذا جعل خبره اسم جمع . وينال أي : يصيب , فكأنه شبه المحاربين بالمستقين : يستقي هذا دلوا وهذا دلوا . وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد , وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله " يوم بيوم بدر , والحرب سجال " ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث أوس بن حذيفة الثقفي لما كان يحدث وفد ثقيف , أخرجه ابن ماجه وغيره . ووقع في مرسل عروة " قال أبو سفيان : غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب , ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان " وأشار بذلك إلى يوم أحد . ‏
‏قوله : ( بماذا يأمركم ) ؟ يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه . ‏

‏قوله : ( يقول اعبدوا الله وحده ) ‏
‏فيه أن للأمر صيغة معروفة ; لأنه أتى بقوله " اعبدوا الله " في جواب ما يأمركم , وهو من أحسن الأدلة في هذه المسألة ; لأن أبا سفيان من أهل اللسان , وكذلك الراوي عنه ابن عباس , بل هو من أفصحهم وقد رواه عنه مقرا له . ‏

‏قوله : ( ولا تشركوا به شيئا ) ‏
‏سقط من رواية المستملي الواو فيكون تأكيدا لقوله وحده . ‏

‏قوله : ( واتركوا ما يقول آباؤكم ) ‏
‏هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية , وإنما ذكر الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له ; لأن الآباء قدوة عند الفريقين , أي عبدة الأوثان والنصارى . ‏

https://eioe.forum.st

3صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:19

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏قوله : ( ويأمرنا بالصلاة والصدق ) ‏
‏وللمصنف في رواية " الصدقة " بدل الصدق , ورجحها شيخنا شيخ الإسلام , ويقويها رواية المؤلف في التفسير " الزكاة " واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع , ويرجحها أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى . قلت : وفي الجملة ليس الأمر بذلك ممتنعا كما في أمرهم بوفاء العهد وأداء الأمانة , وقد كانا من مألوف عقلائهم , وقد ثبتا عند المؤلف في الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي , قال " بالصلاة والصدق والصدقة " وفي قوله : يأمرنا بعد قوله يقول اعبدوا الله إشارة إلى أن المغايرة بين الأمرين لما يترتب على مخالفهما , إذ مخالف الأول كافر , والثاني ممن قبل الأول عاص . ‏

‏قوله : ( فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ) ‏
‏الظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة . ‏

‏قوله : ( لقلت رجل تأسى بقول ) ‏
‏كذا للكشميهني , ولغيره " يتأسى " بتقديم الياء المثناة من تحت , وإنما لم يقل هرقل " فقلت " إلا في هذا وفي قوله " هل كان من آبائه من ملك " لأن هذين المقامين مقام فكر ونظر , بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل . ‏

‏قوله : ( فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ) ‏
‏هو بمعنى قول أبي سفيان ضعفاؤهم , ومثل ذلك يتسامح به لاتحاد المعنى . وقول هرقل " وهم أتباع الرسل " معناه أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين أصروا على الشقاق بغيا وحسدا كأبي جهل وأشياعه , إلى أن أهلكهم الله تعالى , وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم . ‏

‏قوله ( وكذلك الإيمان ) ‏
‏أي : أمر الإيمان ; لأنه يظهر نورا , ثم لا يزال في زيادة حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها , ولهذا نزلت في آخر سني النبي صلى الله عليه وسلم ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) ومنه ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) وكذا جرى لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم : لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من إظهار دينه وتمام نعمته , فله الحمد والمنة . ‏

‏قوله : ( حين يخالط بشاشة القلوب ) . ‏
‏كذا روي بالنصب على المفعولية والقلوب مضاف إليه , أي : يخالط الإيمان انشراح الصدور , وروي " بشاشة القلوب " بالضم والقلوب مفعول , أي : يخالط بشاشة الإيمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها . زاد المصنف في الإيمان " لا يسخطه أحد " كما تقدم . وزاد ابن السكن في روايته في معجم الصحابة " يزداد به عجبا وفرحا " . وفي رواية ابن إسحاق " وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه " . ‏

‏قوله : ( وكذلك الرسل لا تغدر ) ‏
‏لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر , بخلاف من طلب الآخرة . ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم . وسقط من هذه الرواية إيراد تقدير السؤال العاشر والذي بعده وجوابه , وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد وسيأتي الكلام عليه ثم , إن شاء الله تعالى . ‏
‏( فائدة ) : ‏
‏قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة , إلا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه ; لأنه قال بعد ذلك : قد كنت أعلم أنه خارج , ولم أكن أظن أنه منكم . وما أورده احتمالا جزم به ابن بطال ; وهو ظاهر . ‏

‏قوله : ( فذكرت أنه يأمركم ) ‏
‏ذكر ذلك بالاقتضاء ; لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الأمر بل صيغته . وقوله " وينهاكم عن عبادة الأوثان " مستفاد من قوله " ولا تشركوا به شيئا , واتركوا ما يقول آباؤكم " لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان . ‏

‏قوله : ( أخلص ) ‏
‏بضم اللام أي : أصل , يقال خلص إلى كذا أي : وصل . ‏

‏قوله : ( لتجشمت ) ‏
‏بالجيم والشين المعجمة , أي : تكلفت الوصول إليه . وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل إن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم , واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه . وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه القصة مختصرا , فقال قيصر : أعرف أنه كذلك , ولكن لا أستطيع أن أفعل , إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم . وفي مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال : ويحك , والله إني لأعلم أنه نبي مرسل , ولكني أخاف الروم على نفسي , ولولا ذلك لاتبعته . لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه " أسلم تسلم " وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم لو أسلم من كل ما يخافه . ولكن التوفيق بيد الله تعالى قوله " لغسلت عن قدميه " مبالغة في العبودية له والخدمة . زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان " لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه " وهي تدل على أنه كان بقي عنده بعض شك . وزاد فيها " ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة " يعني لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم . وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه - إذا وصل إليه سالما - لا ولاية ولا منصبا , وإنما يطلب ما تحصل له به البركة . وقوله " وليبلغن ملكه ما تحت قدمي " أي : بيت المقدس , وكنى بذلك لأنه موضع استقراره . أو أراد الشام كله لأن دار مملكته كانت حمص . ومما يقوي أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين , ففي مغازي ابن إسحاق : وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين , فحكى كيفية الوقعة . وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه , وأنه قارب الإجابة , ولم يجب . فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر , لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله قومه . إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إني مسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذب , بل هو على نصرانيته . وفي كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله المزني نحوه , ولفظه فقال : كذب عدو الله , ليس بمسلم . فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن - أي : أظهر التصديق - لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه , بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية . والله الموفق . ‏

‏قوله : ( ثم دعا ) ‏
‏أي : من وكل ذلك إليه , ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( دحية ) ‏
‏بكسر الدال , وحكي فتحها لغتان , ويقال إنه الرئيس بلغة أهل اليمن , وهو ابن خليفة الكلبي , صحابي جليل كان أحسن الناس وجها , وأسلم قديما , وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل , وكان وصوله إلى هرقل في المحرم سنة سبع , قاله الواقدي . ووقع في تاريخ خليفة أن إرسال الكتاب إلى هرقل كان سنة خمس , والأول أثبت , بل هذا غلط لتصريح أبي سفيان بأن ذلك كان في مدة الهدنة , والهدنة كانت في آخر سنة ست اتفاقا , ومات دحية في خلافة معاوية . وبصرى بضم أوله والقصر مدينة بين المدينة ودمشق , وقيل هي حوران , وعظيمها هو الحارث بن أبي شمر الغساني . وفي الصحابة لابن السكن أنه أرسل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل مع عدي بن حاتم , وكان عدي إذ ذاك نصرانيا , فوصل به هو ودحية معا , وكانت وفاة الحارث المذكور عام الفتح . ‏

‏قوله : ( من محمد ) ‏
‏فيه أن السنة أن يبدأ الكتاب بنفسه , وهو قول الجمهور , بل حكى فيه النحاس إجماع الصحابة . والحق إثبات الخلاف . وفيه أن " من " التي لابتداء الغاية تأتي من غير الزمان والمكان كذا قاله أبو حيان , والظاهر أنها هنا أيضا لم تخرج من ذلك , لكن بارتكاب مجاز . زاد في حديث دحية : وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس . وفيه : لما قرأ الكتاب سخر فقال : لا تقرأه , إنه بدأ بنفسه . فقال قيصر : لتقرأنه . فقرأه . وقد ذكر البزار في مسنده عن دحية الكلبي أنه هو ناول الكتاب لقيصر , ولفظه " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب " . ‏

‏قوله ( عظيم الروم ) ‏
‏فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة ; لأنه معزول بحكم الإسلام , لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التألف . وفي حديث دحية أن ابن أخي قيصر أنكر أيضا كونه لم يقل ملك الروم . ‏

‏قوله : ( سلام على من اتبع الهدى ) ‏
‏في رواية المصنف في الاستئذان " السلام " بالتعريف . وقد ذكرت في قصة موسى وهارون مع فرعون . وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أمرا به أن يقولاه . فإن قيل : كيف يبدأ الكافر بالسلام ؟ فالجواب أن المفسرين قالوا : ليس المراد من هذا التحية , إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم . ولهذا جاء بعده أن العذاب على من كذب وتولى . وكذا جاء في بقية هذا الكتاب " فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين " . فمحصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدا وإن كان اللفظ يشعر به , لكنه لم يدخل في المراد لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يسلم عليه . ‏

‏قوله : ( أما بعد ) ‏
‏في قوله " أما " معنى الشرط , وتستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبا , وقد ترد مستأنفة لا لتفصيل كالتي هنا , وللتفصيل والتقرير , وقال الكرماني : هي هنا للتفصيل وتقديره : أما الابتداء فهو اسم الله , وأما المكتوب فهو من محمد رسول الله . . إلخ , كذا قال . ولفظه " بعد " مبنية على الضم , وكان الأصل أن تفتح لو استمرت على الإضافة , لكنها قطعت عن الإضافة فبنيت على الضم , وسيأتي مزيد في الكلام عليها في كتاب الجمعة . ‏

‏قوله : ( بدعاية الإسلام ) ‏
‏بكسر الدال , من قولك دعا يدعو دعاية نحو شكا يشكو شكاية . ولمسلم " بداعية الإسلام " أي : بالكلمة الداعية إلى الإسلام , وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , والباء موضع إلى . وقوله " أسلم تسلم " غاية في البلاغ , وفيه نوع من البديع وهو الجناس الاشتقاقي . ‏

‏قوله : ( يؤتك ) ‏
‏جواب ثان للأمر . وفي الجهاد للمؤلف " أسلم أسلم يؤتك " بتكرار أسلم , فيحتمل التأكيد , ويحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) الآية . وهو موافق لقوله تعالى ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين ) الآية . وإعطاؤه الأجر مرتين لكونه كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم , ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن إسلامه يكون سببا لدخول أتباعه . وسيأتي التصريح بذلك في موضعه من حديث الشعبي من كتاب العلم إن شاء الله تعالى . واستنبط منه شيخنا شيخ الإسلام أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح ; لأن هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل , وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل . وقد قال له ولقومه ( يا أهل الكتاب ) فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب , خلافا لمن خص ذلك بالإسرائيليين أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية قبل التبديل . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( فإن توليت ) ‏
‏أي : أعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الإسلام . وحقيقة التولي إنما هو بالوجه , ثم استعمل مجازا في الإعراض عن الشيء , وهي استعارة تبعية . ‏

https://eioe.forum.st

4صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:19

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏قوله : ( الأريسيين ) ‏
‏هو جمع أريسي , وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل , وقد تقلب همزته ياء كما جاءت به رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما هنا , قال ابن سيده : الأريس الأكار , أي : الفلاح عند ثعلب , وعند كراع : الأريس هو الأمير , وقال الجوهري : هي لغة شامية , وأنكر ابن فارس أن تكون عربية , وقيل في تفسيره غير ذلك لكن هذا هو الصحيح هنا , فقد جاء مصرحا به في رواية ابن إسحاق عن الزهري بلفظ " فإن عليك إثم الأكارين " زاد البرقاني في روايته : يعني الحراثين , ويؤيده أيضا ما في رواية المدائني من طريق مرسلة " فإن عليك إثم الفلاحين " , وكذا عند أبي عبيد في كتاب الأموال من مرسل عبد الله بن شداد " وإن لم تدخل في الإسلام فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام " قال أبو عبيدة : المراد بالفلاحين أهل مملكته ; لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح , سواء كان يلي ذلك بنفسه أو بغيره . قال الخطابي : أراد أن عليك إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليدا له ; لأن الأصاغر أتباع الأكابر . قلت : وفي الكلام حذف دل المعنى عليه وهو : فإن عليك مع إثمك إثم الأريسيين ; لأنه إذا كان عليه إثم الأتباع بسبب أنهم تبعوه على استمرار الكفر فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى , وهذا يعد من مفهوم الموافقة , ولا يعارض بقوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) لأن وزر الآثم لا يتحمله غيره , ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين : جهة فعله وجهة تسببه وقد ورد تفسير الأريسيين بمعنى آخر , فقال الليث بن سعد عن يونس فيما رواه الطبراني في الكبير من طريقه : الأريسيون العشارون يعني أهل المكس . والأول أظهر . وهذا إن صح أنه المراد , فالمعنى المبالغة في الإثم , ففي الصحيح في المرأة التي اعترفت بالزنا " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت " . ‏

‏قوله : ( ويا أهل الكتاب إلخ ) هكذا ‏
‏وقع بإثبات الواو في أوله , وذكر القاضي عياض أن الواو ساقطة من رواية الأصيلي وأبي ذر , وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله " أدعوك " , فالتقدير : أدعوك بدعاية الإسلام , وأقول لك ولأتباعك امتثالا لقول الله تعالى ( يا أهل الكتاب ) . ويحتمل أن تكون من كلام أبي سفيان ; لأنه لم يحفظ جميع ألفاظ الكتاب , فاستحضر منها أول الكتاب فذكره , وكذا الآية . وكأنه قال فيه : كان فيه كذا وكان فيه يا أهل الكتاب . فالواو من كلامه لا من نفس الكتاب , وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك قبل نزول الآية فوافق لفظه لفظها لما نزلت , والسبب في هذا أن هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران , وكانت قصتهم سنة الوفود سنة تسع , وقصة سفيان كانت قبل ذلك سنة ست , وسيأتي ذلك واضحا في المغازي , وقيل : بل نزلت سابقة في أوائل الهجرة , وإليه يومئ كلام ابن إسحاق . وقيل : نزلت في اليهود . وجوز بعضهم نزولها مرتين , وهو بعيد . ‏
‏( فائدة ) : ‏
‏قيل في هذا دليل على جواز قراءة الجنب للآية أو الآيتين , وبإرسال بعض القرآن إلى أرض العدو وكذا بالسفر به . وأغرب ابن بطال فادعى أن ذلك نسخ بالنهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ويحتاج إلى إثبات التاريخ بذلك . ومحتمل أن يقال : إن المراد بالقرآن في حديث النهي عن السفر به أي : المصحف , وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه . وأما الجنب فيحتمل أن يقال إذا لم يقصد التلاوة جاز , على أن في الاستدلال بذلك من هذه القصة نظرا , فإنها واقعة عين لا عموم فيها , فيقيد الجواز على ما إذا وقع احتياج إلى ذلك كالإبلاغ والإنذار كما في هذه القصة , وأما الجواز مطلقا حيث لا ضرورة فلا يتجه , وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى . ‏
‏وقد اشتملت هذه الجمل القليلة التي تضمنها هذا الكتاب على الأمر بقوله " أسلم " والترغيب بقوله " تسلم ويؤتك " والزجر بقوله " فإن توليت " والترهيب بقوله " فإن عليك " والدلالة بقوله " يا أهل الكتاب " وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى وكيف لا وهو كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم . ‏

‏قوله : ( فلما قال ما قال ) ‏
‏يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة , ويحتمل أن يشير بذلك إلى القصة التي ذكرها ابن الناطور بعد , والضمائر كلها تعود على هرقل . والصخب اللغط , وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة , زاد في الجهاد : فلا أدري ما قالوا . ‏

‏قوله : ( فقلت لأصحابي ) ‏
‏زاد في الجهاد : حين خلوت بهم . ‏

‏قوله : ( أمر ) ‏
‏هو بفتح الهمزة وكسر الميم أي : عظم , وسيأتي في تفسير سبحان . وابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده , وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض , قال أبو الحسن النسابة الجرجاني : هو جد وهب جد النبي صلى الله عليه وسلم لأمه . وهذا فيه نظر ; لأن وهبا جد النبي صلى الله عليه وسلم اسم أمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال , ولم يقل أحد من أهل النسب إن الأوقص يكنى أبا كبشة . وقيل هو جد عبد المطلب لأمه , وفيه نظر أيضا ; لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي ولم يقل أحد من أهل النسب إن عمرو بن زيد يكنى أبا كبشة . ولكن ذكر ابن حبيب في المجتبى جماعة من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه ومن قبل أمه كل واحد منهم يكنى أبا كبشة , وقيل هو أبوه من الرضاعة واسمه الحارث بن عبد العزى قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا , وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها , وقال ابن قتيبة والخطابي والدارقطني : هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة , وكذا قاله الزبير , قال : واسمه وجز بن عامر بن غالب . ‏

‏قوله : ( إنه يخافه ) ‏
‏هو بكسر الهمزة استئنافا تعليليا لا بفتحها ولثبوت اللام في " ليخافه " في رواية أخرى . ‏

‏قوله : ( ملك بني الأصفر ) ‏
‏هم الروم , ويقال إن جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر , حكاه ابن الأنباري . وقال ابن هشام في التيجان : إنما لقب الأصفر ; لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب . ‏

‏قوله : ( فما زلت موقنا ) ‏
‏زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان " فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت " أخرجه الطبراني . ‏

‏قوله : ( حتى أدخل الله علي الإسلام ) ‏
‏أي : فأظهرت ذلك اليقين , وليس المراد أن ذلك اليقين ارتفع . ‏

‏قوله : ( وكان ابن الناطور ) ‏
‏هو بالطاء المهملة , وفي رواية الحموي بالظاء المعجمة , وهو بالعربية حارس البستان . ووقع في رواية الليث عن يونس " ابن ناطورا " بزيادة ألف في آخره . فعلى هذا هو اسم أعجمي . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏الواو في قوله " وكان " عاطفة , والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله فذكر الحديث , ثم قال الزهري وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة فهي موصولة إلى ابن الناطور لا معلقة كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن , وكذلك أغرب بعض المغاربة فزعم أن قصة ابن الناطور مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان عنه ; لأنه لما رآها لا تصريح فيها بالسماع حملها على ذلك , وقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أن الزهري قال : لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان . وأظنه لم يتحمل عنه ذلك إلا بعد أن أسلم , وإنما وصفه بكونه كان سقفا لينبه على أنه كان مطلعا على أسرارهم عالما بحقائق أخبارهم , وكأن الذي جزم بأنه من رواية الزهري عن عبيد الله اعتمد على ما وقع في سيرة ابن إسحاق فإنه قدم قصة ابن الناطور هذه على حديث أبي سفيان , فعنده عن عبيد الله عن ابن عباس أن هرقل أصبح خبيث النفس , فذكر نحوه . وجزم الحفاظ بما ذكرته أولا , وهذا مما ينبغي أن يعد فيما وقع من الإدراج أول الخبر . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( صاحب إيلياء ) ‏
‏أي أميرها , هو منصوب على الاختصاص أو الحال , أو مرفوع على الصفة , وهي رواية أبي ذر , والإضافة التي فيه تقوم مقام التعريف . وقول من زعم أنها في تقدير الانفصال في مقام المنع , وهرقل معطوف على إيلياء , وأطلق عليه الصحبة له إما بمعنى التبع , وإما بمعنى الصداقة , وفيه استعمال صاحب في معنيين مجازي وحقيقي ; لأنه بالنسبة إلى إيلياء أمير وذاك مجاز , وبالنسبة إلى هرقل تابع وذلك حقيقة , قال الكرماني : وإرادة المعنيين الحقيقي والمجازي من لفظ واحد جائز عند الشافعي , وعند غيره محمول على إرادة معنى شامل لهما وهذا يسمى عموم المجاز . وقوله " سقفا " بضم السين والقاف كذا في رواية غير أبي ذر , وهو منصوب على أنه خبر كان , و " يحدث " خبر بعد خبر . وفي رواية الكشميهني سقف بكسر القاف على ما لم يسم فاعله , وفي رواية المستملي والسرخسي مثله لكن بزيادة ألف في أوله , والأسقف والسقف لفظ أعجمي ومعناه رئيس دين النصارى , وقيل عربي وهو الطويل في انحناء , وقيل ذلك للرئيس لأنه يتخاشع , وقال بعضهم : لا نظير له في وزنه إلا الأسرب وهو الرصاص , لكن حكى ابن سيده ثالثا وهو الأسكف للصانع , ولا يرد الأترج لأنه جمع والكلام إنما هو في المفرد , وعلى رواية أبي ذر يكون الخبر الجملة التي هي " يحدث أن هرقل " , فالواو في قوله وكان عاطفة والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله فذكر حديث أبي سفيان بطوله ثم قال الزهري : وكان ابن الناطور يحدث . وهذا صورة الإرسال . ‏

‏قوله : ( حين قدم إيلياء ) ‏
‏يعني في هذه الأيام , وهي عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم , وكان ذلك في السنة التي اعتمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية , وبلغ المسلمين نصرة الروم على فارس ففرحوا . وقد ذكر الترمذي وغيره القصة مستوفاة في تفسير قوله تعالى ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) , وفي أول الحديث في الجهاد عند المؤلف الإشارة إلى ذلك . ‏

‏قوله : ( خبيث النفس ) ‏
‏أي : رديء النفس غير طيبها , أي : مهموما . وقد تستعمل في كسل النفس , وفي الصحيح " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي " كأنه كره اللفظ , والمراد بالخطاب المسلمون , وأما في حق هرقل فغير ممتنع . وصرح في رواية ابن إسحاق بقولهم له " لقد أصبحت مهموما " . والبطارقة جمع بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم . ‏

‏قوله : ( حزاء ) ‏
‏بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة أي : كاهنا , يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن , وقوله " ينظر في النجوم " إن جعلتها خبرا ثانيا صح ; لأنه كان ينظر في الأمرين , وإن جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم , وكان كل من الأمرين في الجاهلية شائعا ذائعا , إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم , وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب , وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلا أن تستوفي المثلثة بروجها في ستين سنة , فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور , وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل بالوحي , وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الإسلام , وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى . ومن جملة ما ذكروه أيضا أن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون , فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب , وأما اليهود فليسوا مرادا هنا لأن هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه . فإن قيل كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه أحكامهم ؟ فالجواب أنه لم يقصد ذلك , بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل إنسي أو جني , وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج . وقد قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة . وهذا إن ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم . ‏

https://eioe.forum.st

5صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:20

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏قوله : ( ملك الختان ) ‏
‏بضم الميم وإسكان اللام , وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام . ‏

‏قوله : ( قد ظهر ) ‏
‏أي : غلب , يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب , وهو كما قال ; لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية , ومقدمة الظهور ظهور . ‏

‏قوله : ( من هذه الأمة ) ‏
‏أي : من أهل هذا العصر , وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز , وهذا بخلاف قوله بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر , فإن مراده به العرب خاصة , والحصر في قولهم إلا اليهود هو بمقتضى علمهم ; لأن اليهود كانوا بإيلياء وهي بيت المقدس كثيرين تحت الذلة مع الروم , بخلاف العرب فإنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم كانوا ملوكا برأسهم . ‏

‏قوله : ( فلا يهمنك ) ‏
‏بضم أوله , من أهم : أثار الهم . وقوله " شأنهم " أي : أمرهم . و " مدائن " جمع مدينة قال أبو علي الفارسي : من جعله فعيلة من قولك مدن بالمكان أي : أقام به همزه كقبائل , ومن جعله مفعلة من قولك دين أي : ملك لم يهمز كمعايش . انتهى وما ذكره في معايش هو المشهور , وقد روى خارجة عن نافع القاري الهمز في معايش , وقال القزاز : من همزها توهمها من فعيلة لشبهها بها في اللفظ . انتهى . ‏

‏قوله : ( فبينما هم على أمرهم ) ‏
‏أي : في هذه المشورة . ‏

‏قوله : ( أتي هرقل برجل ) ‏
‏لم يذكر من أحضره . وملك غسان هو صاحب بصرى الذي قدمنا ذكره , وأشرنا إلى أن ابن السكن روى أنه أرسل من عنده عدي بن حاتم , فيحتمل أن يكون هو المذكور والله أعلم . ‏

‏قوله : ( عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏فسر ذلك ابن إسحاق في روايته فقال : خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي , فقد اتبعه ناس , وخالفه ناس , فكانت بينهم ملاحم في مواطن , فتركهم وهم على ذلك . فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم أن ذلك كان في أوائل ما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم . وفي رواية أنه قال : جردوه , فإذا هو مختتن , فقال : هذا والله الذي رأيته , أعطه ثوبه . ‏

‏قوله : ( هم يختتنون ) ‏
‏في رواية الأصيلي " هم مختتنون " بالميم والأول أفيد وأشمل . ‏

‏قوله : ( هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ) ‏
‏كذا لأكثر الرواة بالضم ثم السكون , وللقابسي بالفتح ثم الكسر , ولأبي عن الكشميهني وحده يملك فعل مضارع , قال القاضي : أظنها ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت , ووجهه السهيلي في أماليه بأنه مبتدأ وخبر , أي هذا المذكور يملك هذه الأمة . وقيل يجوز أن يكون يملك نعتا , أي هذا رجل يملك هذه الأمة . وقال شيخنا : يجوز أن يكون المحذوف هو الموصول على رأي الكوفيين , أي هذا الذي يملك , وهو نظير قوله " وهذا تحملين طليق " . على أن الكوفيين يجوزون استعمال اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول , فيكون التقدير الذي يملك , من غير حذف , قلت : لكن اتفاق الرواة على حذف الياء في أوله دال على ما قال القاضي فيكون شاذا . على أنني رأيت في أصل معتمد وعليه علامة السرخسي بباء موحدة في أوله , وتوجيهها أقرب من توجيه الأول ; لأنه حينئذ تكون الإشارة بهذا إلى ما ذكره من نظره في حكم النجوم , والباء متعلقة بظهر , أي : هذا الحكم ظهر بملك هذه الأمة التي تختتن . ‏

‏قوله : ( برومية ) ‏
‏بالتخفيف , وهي مدينة معروفة للروم . وحمص مجرور بالفتحة منع صرفه للعلمية والتأنيث . ويحتمل أن يجوز صرفه ‏

‏قوله : ( فلم يرم ) ‏
‏بفتح أوله وكسر الراء أي : لم يبرح من مكانه , هذا هو المعروف , وقال الداودي : لم يصل إلى حمص وزيفوه . ‏

‏قوله : ( حتى أتاه كتاب من صاحبه ) ‏
‏وفي حديث دحية الذي أشرت إليه قال : فلما خرجوا أدخلني عليه وأرسل إلي الأسقف وهو صاحب أمرهم فقال : هذا الذي كنا ننتظر , وبشرنا به عيسى , أما أنا فمصدقه ومتبعه . فقال له قيصر : أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي , فذكر القصة , وفي آخره : فقال لي الأسقف : خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه السلام وأخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وأني قد آمنت به وصدقته , وأنهم قد أنكروا علي ذلك . ثم خرج إليهم فقتلوه . وفي رواية ابن إسحاق أن هرقل أرسل دحية إلى ضغاطر الرومي وقال : إنه في الروم أجوز قولا مني , وإن ضغاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق , فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه . قال فلما رجع دحية إلى هرقل قال له : قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا , فضغاطر كان أعظم عندهم مني . قلت : فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أبهم هنا , لكن يعكر عليه ما قيل إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية , وإنما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك , فالراجح أن دحية قدم على هرقل أيضا في الأولى , فعلى هذا يحتمل أن تكون وقعت لكل من الأسقف ومن ضغاطر قصة قتل كل منهما بسببها , أو وقعت لضغاطر قصتان إحداهما التي ذكرها ابن الناطور وليس فيها أنه أسلم ولا أنه قتل , والثانية التي ذكرها ابن إسحاق فإن فيها قصته مع دحية وأنه أسلم وقتل . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( وسار هرقل إلى حمص ) ‏
‏لأنها كانت دار ملكه كما قدمناه , وكانت في زمانهم أعظم من دمشق . وكان فتحها على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة بعد هذه القصة بعشر سنين . ‏

‏قوله : ( وأنه نبي ) ‏
‏يدل على أن هرقل وصاحبه أقرا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم , لكن هرقل كما ذكرنا لم يستمر على ذلك بخلاف صاحبه . ‏

‏قوله : ( فأذن ) ‏
‏هي بالقصر من الإذن , وفي رواية المستملي وغيره بالمد ومعناه أعلم . و " الدسكرة " بسكون السين المهملة القصر الذي حوله بيوت , وكأنه دخل القصر ثم أغلقه وفتح أبواب البيوت التي حوله وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها ثم اطلع عليهم فخاطبهم , وإنما فعل ذلك خشية أن يثبوا به كما وثبوا بضغاطر . ‏

‏قوله : ( والرشد ) ‏
‏بفتحتين ( وأن يثبت ملككم ) لأنهم إن تمادوا على الكفر كان سببا لذهاب ملكهم , كما عرف هو ذلك من الأخبار السابقة . ‏

‏قوله : ( فتبايعوا ) ‏
‏بمثناة ثم موحدة , وللكشميهني بمثناتين وموحدة , وللأصيلي " فنبايع " بنون وموحدة ( لهذا النبي ) كذا لأبي ذر وللباقين بحذف اللام . ‏

‏قوله : ( فحاصوا ) ‏
‏بمهملتين أي : نفروا , وشبههم بالوحوش لأن نفرتها أشد من نفرة البهائم الإنسية , وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة بل هم أضل . ‏

‏قوله : ( وأيس ) ‏
‏في رواية الكشميهني والأصيلي " ويئس " بيائين تحتانيتين وهما بمعنى قنط والأول مقلوب من الثاني . ‏

‏قوله : ( من الإيمان ) ‏
‏أي : من إيمانهم لما أظهروه , ومن إيمانه لأنه شح بملكه كما قدمنا , وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلموا بإسلامهم , فما أيس من الإيمان إلا بالشرط الذي أراده , وإلا فقد كان قادرا على أن يفر عنهم ويترك ملكه رغبة فيما عند الله والله الموفق . ‏

‏قوله : ( آنفا ) ‏
‏أي : قريبا , وهو منصوب على الحال . ‏

‏قوله : ( فقد رأيت ) ‏
‏زاد في التفسير : فقد رأيت منكم الذي أحببت . ‏

‏قوله : ( فكان ذلك آخر شأن هرقل ) ‏
‏أي : فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الإيمان خاصة ; لأنه انقضى أمره حينئذ ومات , أو أنه أطلق الآخرية بالنسبة إلى ما في علمه , وهذا أوجه ; لأن هرقل وقعت له قصص أخرى بعد ذلك , منها ما أشرنا إليه من تجهيزه الجيوش إلى مؤتة ومن تجهيزه الجيوش أيضا إلى تبوك , ومكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم له ثانيا , وإرساله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهب فقسمه بين أصحابه كما في رواية ابن حبان التي أشرنا إليها قبل وأبي عبيد , وفي المسند من طريق سعيد بن أبي راشد التنوخي رسول هرقل قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية إلى هرقل فلما جاءه الكتاب دعا قسيسي الروم وبطارقتها , فذكر الحديث , قال فتحيروا حتى أن بعضهم خرج من برنسه , فقال : اسكتوا , فإنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم . وروى ابن إسحاق عن خالد بن بشار عن رجل من قدماء الشام أن هرقل لما أراد الخروج من الشام إلى القسطنطينية عرض على الروم أمورا : إما الإسلام وإما الجزية , وإما أن يصالح النبي صلى الله عليه وسلم ويبقى لهم ما دون الدرب , فأبوا , وأنه انطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام ثم قال : السلام عليك أرض سورية - يعني الشام - تسليم المودع , ثم ركض حتى دخل القسطنطينية . واختلف الأخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه , والأظهر أنه هو . والله أعلم . ‏
‏( تنبيه ) ‏
‏لما كان أمر هرقل في الإيمان عند كثير من الناس مستبهما ; لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل , ويحتمل أن يكون استمر على الشك حتى مات كافرا , وقال الراوي في آخر القصة فكان ذلك آخر شأن هرقل , ختم به البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة , وإلا فقد خاب وخسر . فظهرت مناسبة إيراد قصة ابن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به . ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام , وهو واضح مما قررناه . فإن قيل : ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي ؟ فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الابتداء ; ولأن الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الإسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهي قوله تعالى ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ) الآية . وقال تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) الآية , فبان أنه أوحى إليهم كلهم أن أقيموا الدين , وهو معنى قوله تعالى ( سواء بيننا وبينكم ) الآية . ‏
‏( تكميل ) ‏
‏ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له , وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة , ثم كان عند سبطه , فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب , فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله , فامتنع . قلت : وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال : حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال : أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية , فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها , وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت , فقال لي : لأتحفنك بتحفة سنية , فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب , فأخرج منه مقلمة ذهب , فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر , ما زلنا نتوارثه إلى الآن , وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا , فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا . انتهى . ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام فامتنع , فقال له : يا أخا تنوخ إني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها , فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير . وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر , فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه , وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هؤلاء فيمزقون , وأما هؤلاء فستكون لهم بقية , ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال : مزق الله ملكه . ولما جاءه جواب هرقل قال : ثبت الله ملكه . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري ) ‏
‏قال الكرماني يحتمل ذلك وجهين : أن يروي البخاري عن الثلاثة بالإسناد المذكور كأنه قال : أخبرنا أبو اليمان أخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الزهري , وأن يروي عنهم بطريق آخر . كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن يروي لهم عن عبيد الله عن ابن عباس , وأن يروي لهم عن غيره . هذا ما يحتمل اللفظ , وإن كان الظاهر الاتحاد . قلت : هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإسناد . والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن , وأما الاحتمال الأول فأشد بعدا ; لأن أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان ولا سمع من يونس , وهذا أمر يتعلق بالنقل المحض فلا يلتفت إلى ما عداه , ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية الثلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد , وقد أوضحت ذلك في كتابي تعليق التعليق وأشير هنا إليه إشارة مفهمة : فرواية صالح وهو ابن كيسان أخرجها المؤلف في كتاب الجهاد بتمامها من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس , وفيها من الفوائد الزوائد ما أشرت إليه في أثناء الكلام على هذا الحديث من قبل ; ولكنه انتهى حديثه عند قول أبي سفيان " حتى أدخل الله علي الإسلام " زاد هنا " وأنا كاره " ولم يذكر قصة ابن الناطور . وكذا أخرجه مسلم بدونها من حديث إبراهيم المذكور , ورواية يونس أيضا عن الزهري بهذا الإسناد أخرجها المؤلف في الجهاد مختصرة من طريق الليث , وفي الاستئذان مختصرة أيضا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه , ولم يسقه بتمامه , وقد ساقه بتمامه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث , وذكر فيه قصة ابن الناطور , ورواية معمر عن الزهري كذلك ساقها المؤلف بتمامها في التفسير , وقد أشرنا إلى بعض فوائد زائدة فيما مضى أيضا , وذكر فيه من قصة ابن الناطور قطعة مختصرة عن الزهري مرسلة . فقد ظهر لك أن أبا اليمان ما روى هذا الحديث عن واحد من الثلاثة , وأن الزهري إنما رواه لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله , وأن أحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان , ولو احتمل أن يرويه لهم أو لبعضهم عن شيخ آخر لكان ذلك اختلافا قد يفضي إلى الاضطراب الموجب للضعف , فلاح فساد ذلك الاحتمال , والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى الصواب لا إله إلا هو . ‏

https://eioe.forum.st

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏حدثنا ‏ ‏عبدان ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏بشر بن محمد ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏يونس ‏ ‏ومعمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏نحوه ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه ‏ ‏جبريل ‏ ‏وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أجود بالخير من الريح ‏ ‏المرسلة
فتح الباري بشرح صحيح البخاري



‏قوله : ( حدثنا عبدان ) ‏
‏هو عبد الله بن عثمان المروزي أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك أخبرنا يونس هو ابن يزيد الأيلي . ‏

‏قوله : ( أخبرنا يونس ومعمر نحوه ) ‏
‏أي : أن عبد الله بن المبارك حدث به عبدان عن يونس وحده , وحدث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معا , أما باللفظ فعن يونس وأما بالمعنى فعن معمر . ‏

‏قوله ( عبيد الله ) ‏
‏هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الآتي في الحديث الذي بعده . ‏

‏قوله : ( أجود الناس ) ‏
‏بنصب أجود ; لأنها خبر كان , وقدم ابن عباس هذه الجملة على ما بعدها - وإن كانت لا تتعلق بالقرآن - على سبيل الاحتراس من مفهوم ما بعدها . ومعنى أجود الناس : أكثر الناس جودا , والجود الكرم , وهو من الصفات المحمودة . وقد أخرج الترمذي من حديث سعد رفعه " إن الله جواد يحب الجود " الحديث . وله في حديث أنس رفعه " أنا أجود ولد آدم , وأجودهم بعدي رجل علم علما فنشر علمه , ورجل جاد بنفسه في سبيل الله " وفي سنده مقال , وسيأتي في الصحيح من وجه آخر عن أنس " كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأجود الناس " الحديث . ‏

‏قوله : ( وكان أجود ما يكون ) ‏
‏هو برفع أجود هكذا في أكثر الروايات , وأجود اسم كان وخبره محذوف , وهو نحو أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة . أو هو مرفوع على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو " ما يكون " وما مصدرية وخبره في رمضان , والتقدير أجود أكوان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان , وإلى هذا جنح البخاري في تبويبه في كتاب الصيام إذ قال " باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان " , وفي رواية الأصيلي " أجود " بالنصب على أنه خبر كان , وتعقب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها , وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وأجود خبرها , والتقدير : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره , قال النووي : الرفع أشهر , والنصب جائز . وذكر أنه سأل ابن مالك عنه فخرج الرفع من ثلاثة أوجه والنصب من وجهين . وذكر ابن الحاجب في أماليه للرفع خمسة أوجه , توارد ابن مالك منها في وجهين وزاد ثلاثة ولم يعرج على النصب . قلت : ويرجح الرفع وروده بدون كان عند المؤلف في الصوم . ‏

‏قوله : ( فيدارسه القرآن ) ‏
‏قيل الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس , والغنى سبب الجود . والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي , وهو أعم من الصدقة . وأيضا فرمضان موسم الخيرات ; لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره , فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده . فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود . والعلم عند الله تعالى . ‏

‏قوله : ( فلرسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏الفاء للسببية , واللام للابتداء وزيدت على المبتدأ تأكيدا , أو هي جواب قسم مقدر . والمرسلة أي : المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح , وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة , وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه . ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث " لا يسأل شيئا إلا أعطاه " وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا " . وقال النووي : في الحديث فوائد : منها الحث على الجود في كل وقت , ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح . وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير , وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه , واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار , إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعلاه . فإن قيل : المقصود تجويد الحفظ , قلنا الحفظ كان حاصلا , والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس , وأنه يجوز أن يقال رمضان من غير إضافة غير ذلك مما يظهر بالتأمل . قلت : وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان ; لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس , فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان , فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها . وبهذا يجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب والله أعلم بالصواب . ‏

https://eioe.forum.st

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسماعيل ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏موسى بن أبي عائشة ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سعيد بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏في قوله تعالى ‏

صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B‏لا تحرك به لسانك ‏ ‏لتعجل به صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D
‏قال كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يعالج ‏ ‏من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فقال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يحركهما وقال ‏ ‏سعيد ‏ ‏أنا أحركهما كما رأيت ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏يحركهما فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى ‏

صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B‏لا تحرك به لسانك ‏ ‏لتعجل به ‏ ‏إن علينا جمعه وقرآنه صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D
‏قال جمعه لك في صدرك وتقرأه ‏

صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B‏فإذا قرأناه فاتبع قرآنه صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D
‏قال فاستمع له وأنصت ‏

صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B‏ثم إن علينا بيانهصحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D
‏ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بعد ذلك إذا أتاه ‏ ‏جبريل ‏ ‏استمع فإذا انطلق ‏ ‏جبريل ‏ ‏قرأه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كما قرأه

فتح الباري بشرح صحيح البخاري



‏قوله : ( حدثنا موسى بن إسماعيل ) ‏
‏هو أبو سلمة التبوذكي , وكان من حفاظ المصريين . ‏

‏قوله : ( حدثنا أبو عوانة ) ‏
‏هو الوضاح بن عبد الله اليشكري مولاهم البصري , كان كتابه في غاية الإتقان . ‏
‏وموسى بن أبي عائشة ‏
‏لا يعرف اسم أبيه , وقد تابعه على بعضه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير . ‏

‏قوله : ( كان مما يعالج ) ‏
‏المعالجة محاولة الشيء بمشقة , أي : كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين , أي : مبدأ العلاج منه , أو " ما " موصولة وأطلقت على من يعقل مجازا , هكذا قرره الكرماني , وفيه نظر ; لأن الشدة حاصلة له قبل التحرك , والصواب ما قاله ثابت السرقسطي أن المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك , وورودهما في هذا كثير ومنه حديث الرؤيا " كان مما يقول لأصحابه : من رأى منكم رؤيا " ؟ ومنه قول الشاعر : ‏ ‏وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ‏ ‏على وجهه يلقي اللسان من الفم ‏ ‏قلت : ويؤيده أن رواية المصنف في التفسير من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة ولفظها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه " . فأتى بهذا اللفظ مجردا عن تقدم العلاج الذي قدره الكرماني , فظهر ما قال ثابت , ووجه ما قال غيره أن " من " إذا وقع بعدها " ما " كانت بمعنى ربما , وهي تطلق على القليل والكثير وفي كلام سيبويه مواضع من هذا منها قوله : اعلم أنهم مما يحذفون كذا . والله أعلم . ومنه حديث البراء " كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مما نحب أن نكون عن يمينه " الحديث , ومن حديث سمرة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه : من رأى منكم رؤيا " . ‏

‏قوله : ( فقال ابن عباس فأنا أحركهما ) ‏
‏جملة معترضة بالفاء , وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول , وعبر في الأول بقوله " كان يحركهما " وفي الثاني برأيت ; لأن ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة ; لأن سورة القيامة مكية باتفاق , بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر , وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي , ولم يكن ابن عباس إذ ذاك ولد ; لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين , لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد , أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم , والأول هو الصواب , فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبي داود الطيالسي قال : حدثنا أبو عوانة بسنده . وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من ابن عباس بلا نزاع . ‏

‏قوله : ( فحرك شفتيه ) ‏

‏وقوله فأنزل الله ( لا تحرك به لسانك ) ‏
‏لا تنافي بينهما ; لأن تحريك الشفتين , بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان , أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه ; لأنه الأصل في النطق إذ الأصل حركة الفم , وكل من الحركتين ناشئ عن ذلك , وقد مضى أن في رواية جرير في التفسير " يحرك به لسانه وشفتيه " فجمع بينهما , وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء , قاله الحسن وغيره . ووقع في رواية للترمذي " يحرك به لسانه يريد أن يحفظه " وللنسائي " يعجل بقراءته ليحفظه " ولابن أبي حاتم " يتلقى أوله , ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره " وفي رواية الطبري عن الشعبي " عجل يتكلم به من حبه إياه " وكلا الأمرين مراد , ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك , فأمر بأن ينصت حتى يقضى إليه وحيه , ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره , ونحوه قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي بالقراءة . ‏

‏قوله : ( جمعه لك صدرك ) ‏
‏كذا في أكثر الروايات وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز , كقوله أنبت الربيع البقل , أي : أنبت الله في الربيع البقل , واللام في " لك " للتبيين أو للتعليل , وفي رواية كريمة والحموي " جمعه لك في صدرك " وهو توضيح للأول , وهذا من تفسير ابن عباس . وقال في تفسير ( فاتبع ) أي : فاستمع وأنصت , وفي تفسير ( بيانه ) أي : علينا أن تقرأه . ويحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته , فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو الصحيح في الأصول , والكلام في تفسير الآيات المذكورة أخرته إلى كتاب التفسير فهو موضعه . والله أعلم . ‏

https://eioe.forum.st

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة أم المؤمنين ‏ ‏أنها قالت ‏
‏أول ما بدئ به رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل ‏ ‏فلق ‏ ‏الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو ‏ ‏بغار حراء ‏ ‏فيتحنث ‏ ‏فيه ‏ ‏وهو التعبد ‏ ‏الليالي ذوات العدد ‏ ‏قبل أن ‏ ‏ينزع ‏ ‏إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى ‏ ‏خديجة ‏ ‏فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في ‏ ‏غار حراء ‏ ‏فجاءه ‏ ‏الملك ‏ ‏فقال ‏ ‏اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثالثة ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال ‏


صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D‏اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من ‏ ‏علق ‏ ‏اقرأ وربك الأكرم
‏فرجع بها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرجف فؤاده فدخل على ‏ ‏خديجة بنت خويلد ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فقال ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏فزملوه حتى ذهب عنه ‏ ‏الروع ‏ ‏فقال ‏ ‏لخديجة ‏ ‏وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت ‏ ‏خديجة ‏ ‏كلا والله ‏ ‏ما يخزيك ‏ ‏الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل ‏ ‏الكل ‏ ‏وتكسب ‏ ‏المعدوم ‏ ‏وتقري ‏ ‏الضيف وتعين على ‏ ‏نوائب ‏ ‏الحق فانطلقت به ‏ ‏خديجة ‏ ‏حتى أتت به ‏ ‏ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ‏ ‏ابن عم ‏ ‏خديجة ‏ ‏وكان امرأ قد ‏ ‏تنصر ‏ ‏في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له ‏ ‏خديجة ‏ ‏يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ‏ ‏ورقة ‏ ‏يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خبر ما رأى فقال له ‏ ‏ورقة ‏ ‏هذا ‏ ‏الناموس ‏ ‏الذي نزل الله على ‏ ‏موسى ‏ ‏يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا ‏ ‏مؤزرا ‏ ‏ثم لم ‏ ‏ينشب ‏ ‏ورقة ‏ ‏أن توفي وفتر الوحي ‏

‏قال ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏وأخبرني ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏أن ‏ ‏جابر بن عبد الله الأنصاري ‏ ‏قال ‏ ‏وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا ‏ ‏الملك ‏ ‏الذي جاءني ‏ ‏بحراء ‏ ‏جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني فأنزل الله تعالى ‏

صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B
‏يا أيها ‏ ‏المدثر ‏ ‏قم فأنذر ‏ ‏إلى قوله ‏ ‏والرجز ‏ ‏فاهجر ‏
صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7D‏فحمي ‏ ‏الوحي وتتابع ‏ ‏تابعه ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏وأبو صالح ‏ ‏وتابعه ‏ ‏هلال بن رداد ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏وقال ‏ ‏يونس ‏ ‏ومعمر ‏ ‏بوادره ‏
صحيح البخاري {{بداء الوحي }} %7B
فتح الباري بشرح صحيح البخاري






‏قوله : ( حدثنا يحيى بن بكير ) ‏
‏هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبة إلى جده لشهرته بذلك , وهو من كبار حفاظ المصريين , وأثبت الناس في الليث بن سعد الفهمي فقيه المصريين . وعقيل بالضم على التصغير , وهو من أثبت الرواة عن ابن شهاب , وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الفقيه , نسب إلى جد جده لشهرته , الزهري نسب إلى جده الأعلى زهرة بن كلاب , وهو من رهط آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم , اتفقوا على إتقانه وإمامته . ‏

‏قوله : ( من الوحي ) ‏
‏يحتمل أن تكون " من " تبعيضية , أي : من أقسام الوحي , ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز . والرؤيا الصالحة وقع في رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير " الصادقة " وهي التي ليس فيها ضغث , وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة , ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر . ‏

‏قوله : ( في النوم ) ‏
‏لزيادة الإيضاح , أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا . ‏

‏قوله : ( مثل فلق الصبح ) ‏
‏بنصب مثل على الحال , أي : مشبهة ضياء الصبح , أو على أنه صفة لمحذوف , أي : جاءت مجيئا مثل فلق الصبح . والمراد بفلق الصبح ضياؤه . وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه . ‏

‏قوله : ( حبب ) ‏
‏لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله , أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر , أو يكون ذلك من وحي الإلهام . والخلاء بالمد الخلوة , والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له . وحراء بالمد وكسر أوله كذا في الرواية وهو صحيح , وفي رواية الأصيلي بالفتح والقصر وقد حكي أيضا , وحكي فيه غير ذلك جوازا لا رواية . هو جبل معروف بمكة . والغار نقب في الجبل وجمعه غيران . ‏

‏قوله : ( فيتحنث ) ‏
‏هي بمعنى يتحنف , أي : يتبع الحنفية وهي دين إبراهيم , والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم . وقد وقع في رواية ابن هشام في السيرة " يتحنف " بالفاء أو التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم , كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما . ‏

‏قوله : ( وهو التعبد ) ‏
‏هذا مدرج في الخبر , وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله , نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج . ‏

‏قوله : ( الليالي ذوات العدد ) ‏
‏يتعلق بقوله يتحنث , وإبهام العدد لاختلافه , كذا قيل . وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله , وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر , وذلك الشهر كان رمضان رواه ابن إسحاق . والليالي منصوبة على الظرف , وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء . وينزع بكسر الزاي أي : يرجع وزنا ومعنى , ورواه المؤلف بلفظه في التفسير . ‏

‏قوله : ( لمثلها ) ‏
‏أي : الليالي . والتزود استصحاب الزاد . ويتزود معطوف على يتحنث . وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى , تأتي أخبارها في مناقبها . ‏

‏قوله : ( حتى جاءه الحق ) ‏
‏أي : الأمر الحق , وفي التفسير : حتى فجئه الحق - بكسر الجيم - أي بغته . وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحي إليه بذلك في المنام أولا قبل اليقظة , أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام . وسمي حقا لأنه وحي من الله تعالى . وقد وقع في رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شأنه يرى في المنام , وكان أول ما رأى جبريل بأجياد , صرخ جبريل " يا محمد " فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا , فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال " يا محمد , جبريل " فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا , ثم خرج عنهم فناداه فهرب . ثم استعلن له جبريل من قبل حراء , ‏
‏فذكر قصة إقرائه ( اقرأ باسم ربك ) ‏
‏ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر , وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود , وابن لهيعة ضعيف . وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا " لم أره - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين " , وبين أحمد في حديث ابن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها , والثانية عند المعراج . وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة " لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين : مرة عند سدرة المنتهى , ومرة في أجياد " وهذا يقوي رواية ابن لهيعة , وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين , وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته , والعلم عند الله تعالى . ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في حراء وأقرأه ( اقرأ باسم ربك ) ثم انصرف , فبقي مترددا , فأتاه من أمامه في صورته فرأى أمرا عظيما . ‏

‏قوله : ( فجاءه ) ‏
‏هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيدية ; لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به , بل هو نفسه , ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه , بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال , وغيره من جهة التفصيل . ‏

‏قوله : ( ما أنا بقارئ ) ‏
‏ثلاثا . " ما " نافية , إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء , وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ , والباء زائدة لتأكيد النفي , أي : ما أحسن القراءة . فلما قال ذلك ثلاثا قيل له ( اقرأ باسم ربك ) أي : لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك , لكن بحول ربك وإعانته , فهو يعلمك , كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر , وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية , ذكره السهيلي . وقال غيره : إن هذا التركيب - وهو قوله ما أنا بقارئ - يفيد الاختصاص . ورده الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد , والتقدير : لست بقارئ ألبتة . فإن قيل : لم كرر ذلك ثلاثا ؟ أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا " ما أنا بقارئ " على الامتناع , وثانيا على الإخبار بالنفي المحض , وثالثا على الاستفهام . ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال : كيف أقرأ وفي رواية عبيد بن عمير عن ابن إسحاق : ماذا أقرأ ؟ وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي : كيف أقرأ ؟ كل ذلك يؤيد أنها استفهامية . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( فغطني ) ‏
‏بغين معجمة وطاء مهملة , وفي رواية الطبري بتاء مثناة من فوق كأنه أراد ضمني وعصرني , والغط حبس النفس , ومنه غطه في الماء , أو أراد غمني ومنه الخنق . ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن : فأخذ بحلقي . ‏

‏قوله : ( حتى بلغ مني الجهد ) ‏
‏روي بالفتح والنصب , أي : بلغ الغط مني غاية وسعي . وروي بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه . وقوله " أرسلني " أي : أطلقني , ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة , وهو ثابت عند المؤلف في التفسير . ‏

‏قوله : ( فرجع بها ) ‏
‏أي بالآيات أو بالقصة . ‏

‏قوله : ( فزملوه ) ‏
‏أي : لفوه . والروع بالفتح الفزع . ‏

‏قوله : ( لقد خشيت على نفسي ) ‏
‏دل هذا مع قوله " يرجف فؤاده " على انفعال حصل له من مجيء الملك , ومن ثم قال " زملوني " . والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا : أولها : الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة , جاء مصرحا به في عدة طرق , وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل , لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضروري له أن الذي جاءه ملك وأنه من عند الله تعالى . ثانيها : الهاجس , وهو باطل أيضا ; لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة . ثالثها : الموت من شدة الرعب . رابعها : المرض , وقد جزم به ابن أبي جمرة . خامسها : دوام المرض . سادسها : العجز عن حمل أعباء النبوة . سابعها : العجز عن النظر إلى الملك من الرعب . ثامنها : عدم الصبر على أذى قومه . تاسعها : أن يقتلوه . عاشرها : مفارقة الوطن . حادي عشرها : تكذيبهم إياه . ثاني عشرها : تعييرهم إياه . وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده , وما عداها فهو معترض . والله الموفق . ‏

‏قوله : ( فقالت خديجة كلا ) ‏
‏معناها النفي والإبعاد , ويحزنك بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن . ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزي . ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق ; لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب , وإما بالبدن أو بالمال , وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل , وذلك كله مجموع فيما وصفته به . والكل بفتح الكاف : هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى ( وهو كل على مولاه ) ‏
‏وقولها " وتكسب المعدوم " ‏
‏في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله , وعليها قال الخطابي : الصواب المعدم بلا واو أي : الفقير ; لأن المعدوم لا يكسب . قلت : ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له , والكسب هو الاستفادة . فكأنها قالت : إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه . وقال قاسم بن ثابت في الدلائل : قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه . قال أعرابي يمدح إنسانا : كان أكسبهم لمعدوم , وأعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب ‏ ‏كسوب كذا المعدوم من كسب واحد ‏ ‏أي : مما يكسبه وحده . انتهى . ولغير الكشميهني " وتكسب " بفتح أوله , قال عياض : وهذه الرواية أصح . قلت : قد وجهنا الأولى , وهذه الراجحة , ومعناها تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك , فحذف أحد المفعولين , ويقال : كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى . وقيل : معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما لا يصيب غيرك . وكانت العرب تتمادح بكسب المال , لا سيما قريش . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة . وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات . ‏
‏وقولها " وتعين على نوائب الحق " ‏
‏هي كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم وفي رواية المصنف في التفسير من طريق يونس عن الزهري من الزيادة " وتصدق الحديث " وهي من أشرف الخصال . وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة " وتؤدي الأمانة " . وفي هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه , وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه . ‏



عدل سابقا من قبل خالد المصري في الثلاثاء 13 مايو - 10:31 عدل 2 مرات

https://eioe.forum.st

9صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:27

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


‏قوله : ( فانطلقت به ) ‏
‏أي مضت معه , فالباء للمصاحبة . وورقة بفتح الراء . ‏
‏وقوله " ابن عم خديجة " ‏
‏هو بنصب ابن ويكتب بالألف , وهو بدل من ورقة أو صفة أو بيان , ولا يجوز جره فإنه يصير صفة لعبد العزى , وليس كذلك , ولا كتبه بغير ألف ; لأنه لم يقع بين علمين . ‏

‏قوله : ( تنصر ) ‏
‏أي : صار نصرانيا , وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين , فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر , وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل , ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به , إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل وأما زيد بن عمرو فسيأتي خبره في المناقب إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ) ‏
‏, وفي رواية يونس ومعمر : ويكتب من الإنجيل بالعربية . ولمسلم : فكان يكتب الكتاب العربي . والجميع صحيح ; لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي , لتمكنه من الكتابين واللسانين . ووقع لبعض الشراح هنا خبط فلا يعرج عليه . وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة , فلهذا جاء في صفتها " أناجيلها صدورها " . قولها " يا ابن عم " هذا النداء على حقيقته , ووقع في مسلم " يا عم " وهو وهم ; لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد , فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين , فتعين الحمل على الحقيقة . وإنما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي ; لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فأمكن التعداد , وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه . وقالت في حق النبي صلى الله عليه وسلم : اسمع من ابن أخيك . لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء , فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته . أو قالته على سبيل التوقير لسنه . وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول , وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة " اسمع من ابن أخيك " أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم . ‏

‏قوله : ( ماذا ترى ؟ ) ‏
‏فيه حذف يدل عليه سياق الكلام , وقد صرح به في دلائل النبوة لأبي نعيم بسند حسن إلى عبد الله بن شداد في هذه القصة قال : فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى . ‏

‏قوله : ( هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ) . ‏
‏وللكشميهني " أنزل الله " , وفي التفسير " أنزل " على البناء للمفعول وأشار بقوله " هذا " إلى الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خبره , ونزله منزلة القريب لقرب ذكره . والناموس : صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء . وزعم ابن ظفر أن الناموس صاحب سر الخير , والجاسوس صاحب سر الشر . والأول الصحيح الذي عليه الجمهور . وقد سوى بينهما رؤية بن العجاج أحد فصحاء العرب . والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام . وقوله " على موسى " ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا ; لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام , بخلاف عيسى . وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم . أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه , بخلاف عيسى . كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر . أو قاله تحقيقا للرسالة ; لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب , بخلاف عيسى فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته , وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد الله بن معاذ عن الزهري في هذه القصة أن ورقة قال : ناموس عيسى . والأصح ما تقدم , وعبد الله بن معاذ ضعيف . نعم في دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة أن خديجة أولا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال : لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم . فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى , فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية , وعند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال له ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها , وكل صحيح . والله سبحانه وتعالى أعلم . ‏

‏قوله : ( يا ليتني فيها جذع ) ‏
‏كذا في رواية الأصيلي , وعند الباقين " يا ليتني فيها جذعا " بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي , وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى ( انتهوا خيرا لكم ) . وقال ابن بري : التقدير : يا ليتني جعلت فيها جذعا . وقيل : النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت , والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار , قاله السهيلي وضمير " فيها " يعود على أيام الدعوة . والجذع - بفتح الجيم والذال المعجمة - هو الصغير من البهائم , كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره , وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى . ‏

‏قوله : ( إذ يخرجك ) ‏
‏قال ابن مالك فيه استعمال " إذ " في المستقبل كإذا , وهو صحيح , وغفل عنه أكثر النحاة , وهو كقوله تعالى ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) هكذا ذكره ابن مالك وأقره عليه غير واحد . وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده , وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا : استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته , ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير " حين يخرجك قومك " وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز , وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز , ومجازهم أولى , لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع وجوده في أفصح الكلام , وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال , وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير ; لأن ورقة تمنى أن يعود شابا , وهو مستحيل عادة . ويظهر لي أن التمني ليس مقصودا على بابه , بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به , والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به . ‏

‏قوله : ( أومخرجي هم ) ‏
‏بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج , فهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم قاله ابن مالك واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه ; لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج , لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها . وقد استدل ابن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج . ‏

‏قوله : ( إلا عودي ) ‏
‏وفي رواية يونس في التفسير " إلا أوذي " فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم ; ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك , وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم , وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام . ‏

‏قوله : ( إن يدركني يومك ) ‏
‏إن شرطية والذي بعدها مجزوم . زاد في رواية يونس في التفسير " حيا " ولابن إسحاق " إن أدركت ذلك اليوم " يعني يوم الإخراج . ‏

‏قوله : ( مؤزرا ) ‏
‏بهمزة أي : قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر . وقال أبو شامة : يحتمل أن يكون من الإزار , أشار بذلك إلى تشميره في نصرته , قال الأخطل : " قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم " البيت . ‏

‏قوله : ( ثم لم ينشب ) ‏
‏بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث . وأصل النشوب التعلق , أي : لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات . وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب , وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة , وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام . فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح , وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال : الواو في قوله : وفتر الوحي . ليست للترتيب , فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع . وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان , وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع , وليحصل له التشوف إلى العود , فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك . ‏
‏( فائدة ) : ‏
‏وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين , وبه جزم ابن إسحاق , وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر , وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة , وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان . وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين وهي ما بين نزول " اقرأ " و " يا أيها المدثر " عدم مجيء جبريل إليه , بل تأخر نزول القرآن فقط . ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد , ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي : أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء , ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل , فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة . وأخرجه ابن أبي خيثمة من وحي آخر مختصرا عن داود بلفظ : بعث لأربعين , ووكل به إسرافيل ثلاث سنين , ثم وكل به جبريل فعلى هذا فيحسن - بهذا المرسل إن ثبت - الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة , فقد قيل ثلاث عشرة , وقيل عشر , ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة , والله أعلم . وقد حكى ابن التين هذه القصة , لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل , وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال : لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل , انتهى . ولا يخفى ما فيه , فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم . وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة , فإنه قال : جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف , وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر , فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة , ومن قال ثلاث عشرة أضافهما . وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت , وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما , وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى . ‏
‏قوله : ( قال ابن شهاب : أخبرني أبو سلمة ) ‏
‏إنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق , كأنه قال : أخبرني عروة بكذا , وأخبرني أبو سلمة بكذا , وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف , وأخطأ من زعم أن هذا معلق وإن كانت صورته صورة التعليق , ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة فإنها دالة على تقدم شيء عطفته , وقد تقدم قوله : عن ابن شهاب عن عروة فساق الحديث إلى آخره ثم قال : قال ابن شهاب - أي : بالسند المذكور - وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر وهو كذا , ودل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر عن اقرأ , ولما خلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في التفسير عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين الجملتين أشكل الأمر , فجزم من جزم بأن ( يا أيها المدثر ) أول ما نزل , ورواية الزهري هذه الصحيحة ترفع هذا الإشكال , وسياق بسط القول في ذلك في تفسير سورة اقرأ . ‏

‏قوله : ( فرعبت منه ) ‏
‏بضم الراء وكسر العين , وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي : فزعت , دل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج . ‏

‏قوله : ( فقلت زملوني زملوني ) ‏
‏وفي رواية الأصيلي وكريمة زملوني مرة واحدة , وفي رواية يونس في التفسير فقلت دثروني فنزلت ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) أي : حذر من العذاب من لم يؤمن بك ( وربك فكبر ) أي عظم ( وثيابك فطهر ) أي : من النجاسة , وقيل الثياب النفس , وتطهيرها اجتناب النقائص , والرجز هنا الأوثان كما سيأتي من تفسير الراوي عند المؤلف في التفسير , والرجز في اللغة : العذاب , وسمى الأوثان هنا رجزا ; لأنها سببه . ‏

‏قوله : ( فحمي الوحي ) ‏
‏أي جاء كثيرا , وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور , إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو البرد . ‏

‏قوله : ( وتتابع ) ‏
‏تأكيد معنوي , ويحتمل أن يراد بحمي : قوي , وتتابع : تكاثر , وقد وقع في رواية الكشميهني وأبي الوقت " وتواتر " , والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير تخلل . ‏
‏( تنبيه ) ‏
‏خرج المصنف بالإسناد في التاريخ حديث الباب عن عائشة , ثم عن جابر بالإسناد المذكور هنا فزاد فيه بعد قوله " تتابع " : قال عروة - يعني بالسند المذكور إليه - وماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت لخديجة بيتا من قصب , لا صخب فيه ولا نصب " قال البخاري : يعني قصب اللؤلؤ . قلت : وسيأتي مزيد لهذا في مناقب خديجة إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( تابعه ) ‏
‏الضمير يعود على يحيى بن بكير , ومتابعة عبد الله بن يوسف عن الليث هذه عند المؤلف في قصة موسى . وفيه من اللطائف قوله عن الزهري : سمعت عروة . ‏

‏قوله : ( وأبو صالح ) ‏
‏هو عبد الله بن صالح كاتب الليث , وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات , وعلق عن الليث جملة كثيرة من أفراد أبي صالح عنه . ورواية عبد الله بن صالح عن الليث لهذا الحديث أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه مقرونا بيحيى بن بكير , ووهم من زعم - كالدمياطي - أنه أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني , فإنه لم يذكر من أسنده عن عبد الغفار وقد وجد في مسنده عن كاتب الليث . ‏

‏قوله : ( وتابعه هلال بن رداد ) ‏
‏بدالين مهملتين الأولى مثقلة , وحديثه في الزهريات للذهلي . ‏

‏قوله : ( وقال يونس ) ‏
‏يعني ابن يزيد الأيلي , ومعمر هو ابن راشد . ‏
‏( بوادره ) ‏
‏يعني أن يونس ومعمرا رويا هذا الحديث عن الزهري فوافقا عقيلا عليه , إلا أنهما قالا بدل قوله يرجف فؤاده ترجف بوادره , والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان , فالروايتان مستويتان في أصل المعنى ; لأن كلا منهما دال على الفزع , وقد بينا ما في رواية يونس ومعمر من المخالفة لرواية عقيل غير هذا في أثناء السياق , والله الموفق . وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في تفسير سورة ( اقرأ باسم ربك ) إن شاء الله تعالى . ‏

https://eioe.forum.st

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به



‏حدثنا ‏ ‏الحميدي عبد الله بن الزبير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏يحيى بن سعيد الأنصاري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏محمد بن إبراهيم التيمي ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏علقمة بن وقاص الليثي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏على المنبر ‏
‏قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إنما الأعمال ‏ ‏بالنيات ‏ ‏وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا ‏ ‏يصيبها ‏ ‏أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري



‏قوله : ( حدثنا الحميدي ) ‏
‏هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى , منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بني أسد بن عبد العزى بن قصي رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي . وهو إمام كبير مصنف , رافق الشافعي في الطلب عن ابن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر , ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين . فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشا " فافتتح كتابه بالرواية عن الحميدي لكونه أفقه قرشي أخذ عنه . وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لأن ابتداءه كان بمكة , ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك لأنه شيخ أهل المدينة وهي تالية لمكة في نزول الوحي وفي جميع الفضل , ومالك وابن عيينة قرينان , قال الشافعي : لولاهما لذهب العلم من الحجاز . ‏

‏قوله : ( حدثنا سفيان ) ‏
‏هو ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي , أصله ومولده الكوفة , وقد شارك مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة , وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين . ‏

‏قوله : ( عن يحيى بن سعيد ) ‏
‏في رواية غير أبي ذر : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري . اسم جده قيس بن عمرو وهو صحابي , ويحيى من صغار التابعين , وشيخه محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي من أوساط التابعين , وشيخ محمد علقمة بن وقاص الليثي من كبارهم , ففي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق . وفي المعرفة لابن منده ما ظاهره أن علقمة صحابي , فلو ثبت لكان فيه تابعيان وصحابيان , وعلى رواية أبي ذر يكون قد اجتمع في هذا الإسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون , وهي التحديث والإخبار والسماع والعنعنة والله أعلم . وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي وأنه لا تعلق له به أصلا , بحيث إن الخطابي في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه أخرجاه قبل الترجمة لاعتقادهما أنه إنما أورده للتبرك به فقط , واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الإسماعيلي في ذلك , وقال ابن رشيد : لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف , وقد تكلفت مناسبته للترجمة , فقال : كل بحسب ما ظهر له . انتهى . وقد قيل : إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب ; لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة , فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتب . وحكى المهلب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب به حين قدم المدينة مهاجرا , فناسب إيراده في بدء الوحي ; لأن الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها لأن بالهجرة افتتح الإذن في قتال المشركين , ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى . وهذا وجه حسن , إلا أنني لم أر ما ذكره - من كونه صلى الله عليه وسلم - خطب به أول ما هاجر - منقولا . وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية " الحديث , ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة , أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه , ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس , قال ابن دقيق العيد : نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس , فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به , انتهى . وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية . وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد من منصور قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك , هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ : كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها , فكنا نسميه مهاجر أم قيس . وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين , لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك , ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك . وأيضا فلو أراد البخاري إقامته مقام الخطبة فقط أو الابتداء به تيمنا وترغيبا في الإخلاص لكان ساقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره ونقل ابن بطال عن أبي عبد الله بن النجار قال : التبويب يتعلق بالآية والحديث معا ; لأن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بالنيات لقوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . ‏
‏وقال أبو العالية في قوله تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } قال وصاهم بالإخلاص في عبادته . وعن أبي عبد الملك البوني قال : مناسبة الحديث للترجمة أن بدء الوحي كان بالنية ; لأن الله تعالى فطر محمدا على التوحيد وبغض إليه الأوثان ووهب له أول أسباب النبوة وهي الرؤيا الصالحة , فلما رأى ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حراء فقبل الله عمله وأتم له النعمة . وقال المهلب ما محصله : قصد البخاري الإخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه وأن الله بغض إليه الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فرارا من قرناء السوء , فلما لزم ذلك أعطاه الله على قدر نيته ووهب له النبوة كما يقال الفواتح عنوان الخواتم . ولخصه بنحو من هذا القاضي أبو بكر بن العربي . ‏
‏وقال ابن المنير في أول التراجم : كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى الله تعالى بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة . ومن المناسبات البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه أن الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي , ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال , ومع هذه المناسبات لا يليق الجزم بأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا . والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث : قال أبو عبد الله : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث . واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام , ومنهم من قال ربعه , واختلفوا في تعيين الباقي . وقال ابن مهدي أيضا : يدخل في ثلاثين بابا من العلم , وقال الشافعي : يدخل في سبعين بابا , ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة . وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا : ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب . ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه , فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها ; لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها , ومن ثم ورد : نية المؤمن خير من عمله , فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين . وكلام الإمام أحمد يدل على أنه بكونه ثلث العلم أنه أراد أحد القواعد الثلاثة التي ترد إليها جميع الأحكام عنده , وهي هذا و " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " و " الحلال بين والحرام بين " الحديث . ثم إن هذا الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ , ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك , وقال أبو جعفر الطبري : قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا ; لأنه لا يروى عن عمر إلا من رواية علقمة , ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد , وهو كما قال , فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني , وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد , وهو كما قال لكن بقيدين : ‏
‏أحدهما : الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما . ‏
‏ثانيهما : السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم " يبعثون على نياتهم " , وحديث ابن عباس " ولكن جهاد ونية " , وحديث أبي موسى " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليهما , وحديث ابن مسعود " رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته " أخرجه أحمد , وحديث عبادة " من غزا وهو لا ينوي إلا عقالا فله ما نوى " أخرجه النسائي , إلى غير ذلك مما يتعسر حصره , وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر متواتر , إلا إن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل . نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد : فحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا , وسرد أسماءهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلثمائة , وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي قال : كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى . قلت : وأنا أستبعد صحة هذا , فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة , وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل عمن تقدم , كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث ابن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( على المنبر ) ‏
‏بكسر الميم , واللام للعهد , أي منبر المسجد النبوي , ووقع في رواية حماد بن زيد عن يحيى في ترك الحيل : سمعت عمر يخطب . ‏

‏قوله : ( إنما الأعمال بالنيات ) ‏
‏كذا أورد هنا , وهو من مقابلة الجمع بالجمع , أي كل عمل بنيته . وقال الخوبي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده . ووقع في معظم الروايات بإفراد النية , ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها . بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ; ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له . ووقعت في صحيح ابن حبان بلفظ " الأعمال بالنيات " بحذف " إنما " وجمع الأعمال والنيات , وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك , وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره , وهو متعقب برواية ابن حبان , بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ " الأعمال بالنية " , وكذا في العتق من رواية الثوري , وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد , ووقع عنده في النكاح بلفظ " العمل بالنية " بإفراد كل منهما . والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور , وفي بعض اللغات بتخفيفها . قال الكرماني قوله " إنما الأعمال بالنيات " هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين , واختلف في وجه إفادته فقيل لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق , وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية , وقيل لأن إنما للحصر , وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم , أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف , أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ؟ ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا , بل نقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي , وعلى العكس من ذلك أهل العربية , واحتج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام عمرو , أجيب بأنه يصح أنه يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر اتفاقا , وقيل : لو كانت للحصر لاستوى إنما قام زيد مع ما قام إلا زيد , ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول , وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفي الحصر فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين , وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) وكقوله : ( وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) وقوله : ( إنما على رسولنا البلاغ المبين ) وقوله : ( ما على الرسول إلا البلاغ ) ومن شواهده قول الأعشى : ‏ ‏ولست بالأكثر منهم حصى ‏ ‏وإنما العزة للكاثر ‏ ‏يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى . واختلفوا : هل هي بسيطة أو مركبة , فرجحوا الأول , وقد يرجح الثاني , ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا : أصلهما كان للإثبات والنفي , لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئا آخر , أشار إلى ذلك الكرماني قال : وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدا بعد تأكيد وهو المستفاد من إنما ومن الجمع , فتعقب بأنه من باب إيهام العكس ; لأن قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر . وقال ابن دقيق العيد : استدل على إفادة إنما للحصر بأن ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون إلا في النسيئة بحديث " إنما الربا في النسيئة " , وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في فهمه فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر . وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزلا . وأما من قال : يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله " لا ربا إلا في النسيئة " لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور , فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر , بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد , وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه . وأوضح من هذا حديث " إنما الماء من الماء " فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه , وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث " إذا التقى الختانان " وقال ابن عطية : إنما لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع , ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه , فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينة , وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر , لكن قد يكون في شيء مخصوص كقوله تعالى ( إنما الله إله واحد ) فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية , وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدرة , وكقوله تعالى ( إنما أنت منذر ) فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة , وإلا فله صلى الله عليه وسلم صفات أخرى كالبشارة , إلى غير ذلك من الأمثلة . وهي - فيما يقال - السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا . ‏

https://eioe.forum.st

11صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:34

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


تكميل ) : ‏
‏الأعمال تقتضي عاملين , والتقدير : الأعمال الصادرة من المكلفين , وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار ؟ الظاهر الإخراج ; لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقة لأنهما بدليل آخر . ‏
‏قوله : ( بالنيات ) الباء للمصاحبة , ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده , وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله . قال النووي : النية القصد , وهي عزيمة القلب . وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد . واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط ؟ والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن , واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط . ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور , فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر . قال الطيبي : كلام الشارع محمول على بيان الشرع ; لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان , فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع , فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي . وقال البيضاوي : النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا , والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه . والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر , فإنه تفصيل لما أجمل , والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية , إذ التقدير : لا عمل إلا بالنية , فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية , بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال , لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ; ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع , فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة . وقال شيخنا شيخ الإسلام : الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية , لقوله في الحديث " فمن كانت هجرته " إلى آخره . وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من اسم فاعل أو فعل . ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال . قال ابن دقيق العيد : وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد , ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها . وأما التروك فهي وإن كانت فعل كف لكن لا يطلق عليها لفظ العمل . وقد تعقب على من يسمي القول عملا لكونه عمل اللسان , بأن من حلف لا يعمل عملا فقال قولا لا يحنث . وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف , والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا يعطف عليه . والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا , وكذا الفعل , لقوله تعالى ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) بعد قوله : ( زخرف القول ) . وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل , والمعرفة : وفي تناولها نظر , قال بعضهم : هو محال لأن النية قصد المنوي , وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة . وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله : إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم , وإن كان المراد النظر في الدليل فلا ; لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره , فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا . وقال ابن دقيق العيد : الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال , والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال , ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى . وفي هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النية , وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الوسائل , وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها , ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء , وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا . نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه . ‏
‏( تكميل ) : ‏
‏الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير , والتقدير الأعمال بنياتها , وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها , ومن كونها فرضا أو نفلا , ظهرا مثلا أو عصرا , مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد ؟ فيه بحث . والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين , كالمسافر مثلا ليس له أن يقصر إلا بنية القصر , لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله أعلم . ‏

‏قوله : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ‏
‏قال القرطبي : فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال , فجنح إلى أنها مؤكدة , وقال غيره : بل تفيد غير ما أفادته الأولى ; لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها , فيترتب الحكم على ذلك , والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه وقال ابن دقيق العيد : الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له - يعني إذا عمله بشرائطه - أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له . ومراده بقوله " ما لم ينوه " أي لا خصوصا ولا عموما , أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء . ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى . وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها ; لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل , وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح ; لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيم فلا بد فيه من القصد إليه , بخلاف تحية المسجد والله أعلم . وقال النووي : أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا , ولا يخفى أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة . وقال ابن السمعاني في أماليه : أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة , كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة . وقال غيره : أفادت أن النيابة لا تدخل في النية , فإن ذلك هو الأصل , فلا يرد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره فإنها على خلاف الأصل . وقال ابن عبد السلام : الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال , والثانية لبيان ما يترتب عليها . وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها , وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأدعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة . ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع , أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا , ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابا , ومن ثم قال الغزالي : حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب ; لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة , بل هو خير من السكوت مطلقا , أي المجرد عن التفكر . قال : وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب انتهى . ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " في بضع أحدكم صدقة " ثم قال في الجواب عن قولهم " أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ " : " أرأيت لو وضعها في حرام " . وأورد على إطلاق الغزالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام , وليس ذلك مراده . وخص من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم , وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي ; لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت , ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية . ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ محيي الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس , وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك , وتعقب بأن قوله " الترك فعل " مختلف فيه , ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه . وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد ; لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها ؟ والذي أورده هل يحصل الثواب بدونها ؟ والتفاوت بين المقامين ظاهر . والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه , وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس , فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى , فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه , لا الترك المجرد . والله أعلم . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏قال الكرماني : إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله " وإنما لكل امرئ ما نوى " نوعان من الحصر : قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لكل امرئ ما نواه , والتقديم المذكور . ‏

‏قوله : ( فمن كانت هجرته إلى دنيا ) ‏
‏كذا وقع في جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله إلخ " قال الخطابي : وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره , ولست أدري كيف وقع هذا الإغفال , ومن جهة من عرض من رواته ؟ فقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي مستوفى , وقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تاما , ونقل ابن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما أنه قد يريد أن في السند انقطاعا فقال من قبل نفسه لأن البخاري لم يلق الحميدي , وهو مما يتعجب من إطلاقه مع قول البخاري " حدثنا الحميدي " وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب , وجزم كل من ترجمه بأن الحميدي من شيوخه في الفقه والحديث , وقال ابن العربي في مشيخته : لا عذر للبخاري في إسقاطه لأن الحميدي شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام . قال : وذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدثه هكذا فحدث عنه كما سمع أو حدثه به تاما فسقط من حفظ البخاري . قال : وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع على أحوال القوم . وقال الداودي الشارح : الإسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى . وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبي إسماعيل الترمذي وغير واحد عن الحميدي تاما , وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبي نعيم وصحيح أبي عوانة من طريق الحميدي , فإن كان الإسقاط من غير البخاري فقد يقال : لم اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ؟ والجواب قد تقدمت الإشارة إليه , وأنه اختار الحميدي لكونه أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة , وإن كان الإسقاط منه فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري : إن أحسن ما يجاب به هنا أن يقال : لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف , فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله , فإن علم منه أنه أراد الدنيا أو عرض إلى شيء من معانيها فسيجزيه بنيته . ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام . انتهى ملخصا . وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة , والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أو لا , فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية , وبقيت الجملة المترددة المحتملة تفويضا للأمر إلى ربه المطلع على سريرته المجازي له بمقتضى نيته . ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم , وكان من رأي المصنف جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وإيثار الأغمض على الأجلى وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره , استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا وإسنادا . وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " عن قوله " فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها " , فيحتمل أن تكون رواية الحميدي وقعت عند البخاري كذلك فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث . وعلى تقدير أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من أثنائه . وهذا هو الراجح , والله أعلم . وقال الكرماني في غير هذا الموضع : إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه في صدر الكتاب , مع أن الخرم مختلف في جوازه ؟ قلت : لا جزم بالخرم ; لأن المقامات مختلفة , فلعله - في مقام بيان أن الإيمان بالنية واعتقاد القلب - سمع الحديث تاما , وفي مقام أن الشروع في الأعمال إنما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روي . ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري لا منه , ثم إن كان منه فخرمه ثم لأن المقصود يتم بذلك المقدار . فإن قلت : فكان المناسب أن يذكر عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده , وهو أن النية ينبغي أن تكون لله ورسوله . قلت : لعله نظر إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس . انتهى . وهو كلام من لم يطلع على شيء من أقوال من قدمت ذكره من الأئمة على هذا الحديث , ولا سيما كلام ابن العربي

https://eioe.forum.st

12صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty رد: صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:34

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


وقال في موضع آخر : إن إيراد الحديث تاما تارة وغير تام تارة إنما هو اختلاف الرواة , فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد , ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له , انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه في موضع تاما وفي موضع مقتصرا على بعضه , وهو كثير جدا في الجامع الصحيح , فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه ; لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضع على وجهين , بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده , وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره إن كان فيه شيء , وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق , ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر إلا نادرا , فقد عني بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا . ‏
‏قوله : ( هجرته ) الهجرة : الترك , والهجرة إلى الشيء : الانتقال إليه عن غيره . وفي الشرع : ترك ما نهى الله عنه . وقد وقعت في الإسلام على وجهين : الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة , الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة , إلى أن فتحت مكة فانقطع من الاختصاص , وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا . فإن قيل : الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا : من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا : من أطاع نجا , وقد وقعا في هذا الحديث متحدين , فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر , وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق , ومن أمثلته قوله تعالى ( ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس , كقولهم : أنت أنا . أي : الصديق الخالص , وقولهم : هم هم . أي : الذين لا يقدر قدرهم , وقول الشاعر ‏ ‏أنا أبو النجم وشعري شعري ‏ ‏, أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب . وقال ابن مالك : قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر : ‏ ‏خليلي خليلي دون ريب وربما ‏ ‏ألان امرؤ قولا فظن خليلا ‏ ‏وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك : من قصدني فقد قصدني . أي : فقد قصد من عرف بإنجاح قاصده , وقال غيره : إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم وإما في التحقير . ‏

‏قوله : ( إلى دنيا ) ‏
‏بضم الدال , وحكى ابن قتيبة كسرها , وهي فعلى من الدنو أي : القرب , سميت بذلك لسبقها للأخرى . وقيل : سميت دنيا لدنوها إلى الزوال . واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو , وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض , والأولى أولى . لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة , ويطلق على كل جزء منها مجازا . ثم إن لفظها مقصور غير منون , وحكي تنوينها , وعزاه ابن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني وضعفها , وحكي عن ابن مغاور أن أبا الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبي الهيثم حيث ينفرد ; لأنه لم يكن من أهل العلم . قلت : وهذا ليس على إطلاقه , فإن في رواية أبي الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره , كما سيأتي مبينا في مواضعه . وقال التيمي في شرحه : قوله " دنيا " هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف , لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث . وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف , وأما الوصفية فقال ابن مالك : استعمال دنيا منكرا فيه إشكال ; لأنها فعل التفضيل , فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى , قال : إلا أنها خلعت عنها الوصفية أو أجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط , ومثله قول الشاعر : ‏ ‏وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ‏ ‏يوما سراة كرام الناس فادعينا ‏ ‏وقال الكرماني : قوله " إلى " يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة , أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة . ثم أورد ما محصله : أن لفظ كان إن كان للأمر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في ذلك . وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان , أو يقاس المستقبل على الماضي , أو من جهة أن حكم المكلفين سواء . ‏

‏قوله : ( يصيبها ) ‏
‏أي يحصلها ; لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود . ‏

‏قوله : ( أو امرأة ) ‏
‏قيل التنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به . وتعقبه النووي بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها . وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم , ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير ; لأن الافتتان بها أشد . وقد تقدم النقل عمن حكى أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم نقف على تسميته . ونقل ابن دحية أن اسمها قيلة بقاف مفتوحة ثم تحتانية ساكنة , وحكى ابن بطال عن ابن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية , ويراعون الكفاءة في النسب , فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى . ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربية , وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام , وإطلاقه أن الإسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع . ‏

‏قوله : ( فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ‏
‏يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها , وإنما أبرز الضمير في الجملة التي قبلها وهي المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما , بخلاف الدنيا والمرأة فإن السياق يشعر بالحث على الإعراض عنهما . وقال الكرماني : يحتمل أن يكون قوله " إلى ما هاجر إليه " متعلقا بالهجرة , فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير صحيحة مثلا , ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ الذي هو " من كانت " انتهى . وهذا الثاني هو الراجح ; لأن الأول يقتضي أن تلك الهجرة مذمومة مطلقا , وليس كذلك , إلا إن حمل على تقدير شيء يقتضي التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة , بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة , وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة , فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص , وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله ; لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف . ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال : تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام , أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت : إني قد أسلمت , فإن أسلمت تزوجتك . فأسلم فتزوجته . وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية , أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم . واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر , أو الديني أجر بقدره , وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر . وأما إذا نوى العبادة وخالطها بشيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء , فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب أو غيره . والله أعلم . واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم ; لأن فيه أن العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية , ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة الحكم , وعلى أن الغافل لا تكليف عليه ; لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد , وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له إلا من وقت النية وهو مقتضى الحديث , لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل آخر , ونظيره حديث " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها " أي : أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت , وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى , وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم يذكره غيره أن ذلك لا يقدح في صدقه , خلافا لمن أعل بذلك ; لأن علقمة ذكر أن عمر خطب به على المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة . واستدل بمفهومه على أن ما ليس بعمل لا تشترط النية فيه , ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية , بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام وقال : الجمع ليس بعمل , وإنما العمل الصلاة . ويقوي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه , ولو كان شرطا لأعلمهم به , واستدل به على أن العمل إذا كان مضافا إلى سبب ويجمع متعدده جنس أن نية الجنس تكفي , كمن أعتق عن كفارة ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره ; لأن معنى الحديث أن الأعمال بنياتها , والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة وهو غير محوج إلى تعيين سبب , وعلى هذا لو كانت عليه كفارة - وشك في سببها - أجزأه إخراجها بغير تعيين . وفيه زيادة النص على السبب ; لأن الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة , فذكر الدنيا في القصة زيادة في التحذير والتنفير . وقال شيخنا شيخ الإسلام : فيه إطلاق العام وإن كان سببه خاصا , فيستنبط منه الإشارة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وسيأتي ذكر كثير من فوائد هذا الحديث في كتاب الإيمان حيث قال المصنف في الترجمة فدخل فيه العبادات والأحكام إن شاء الله تعالى , وبالله التوفيق . ‏

https://eioe.forum.st

13صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Empty صحيح البخاري {{بداء الوحي }} الثلاثاء 13 مايو - 10:36

خالد المصري

خالد المصري
عضو نفتخر به


الي اخوتي في الله تم غلق الموضوع عن الردود وذلك لعدم تشويه محتوي واصل الموضوع وليكون مرجع لكل ذي حاجه بارك الله لكم وفيكم صحيح البخاري {{بداء الوحي }} Alamat

https://eioe.forum.st

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى