- ماهي السبع المثاني؟ وماهي الآيات المتشابهات في القرآن؟
في الموضوع السابق تعرفنا على أسلوب تمييز الآيات المحكمات عن باقي الآيات الأخرى في القرآن، مستندين على نفس أيات الكتاب متجنبين باقي الكتب الأخرى. لكن بقي علينا البحث عن السبيل المؤدي إلى تمييز الآيات المتشابهات عن باقي آيات القرآن المختلفة بنفس الأسلوب. حيث أصبح من السهل علينا الآن التعرف على الآيات المحكمات التي كانت تشكل القاعدة التي أسس عليها الله تعالى دينه للعالمين في الأرض مسميا سبحانه ذلك الجزء من القرآن: بأم الكتاب، التي تعطي من خلال آياتها صورة حقيقية لفترة حكم الله تعالى الفعلي في الأرض خلال استمرار وحيه على رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، مبينة أن تلك الفترة كانت الفترة الإسلامية الوحيدة التي لا يمكن لها أن تتكرر على الأرض مرة أخرى لكون القرآن العظيم هو خاتم الوحي والرسالات. بالتالي، معرفتنا لهذه الحقيقة بداية، ستسهل علينا تمييز باقي آيات الكتاب كمجموعات أخرى مختلفة، يهمنا التعرف الآن على الآيات المتشابهات من باقي الأنواع مثل: آيات القصص أو آيات الأمثال أو آيات تفصيل الكتاب. قبل تعريف الآيات المتشابهات علينا دراسة الآية المحكمة التي تشرح للرسول وللمؤمنين من بعده بوجود نوعين مختلفين من الآيات في القرآن، نوع سماه سبحانه الآيات المحكمات، مقررا أنها تشكل بمجموعها أم الكتاب ونوع آخر سماه الآيات المتشابهات: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألوا الألباب* ) 7-3. الآية تخاطب الرسول الكريم ومعاصريه بوضوح لا لبس فيه أن الذين كانوا وما زالوا يحملون في قلوبهم زيغ يفضلون إتباع الآيات المتشابهات، ابتغاء الفتنة وإبتغاء تأويلها في عصر الرسول الكريم، لتنقلب الآية من بعده فيبدأ التابعون تطبيق الآيات المحكمات في العصر الأموي وفي العصور التي تلتها بدلا عن تطبيق المتشابهات. تلك الآية السابقة دليل ثابت وأكيد من القرآن على أن الذين كان في قلوبهم زيغ من التابعين هم الذين بدأوا عملية تطبيق المحكم وترك تطبيق المتشابه من آيات القرآن. مما سبق نستطيع تعريف المتشابه من الآيات قائلين: (( صفة المتشابه من آيات القرآن تنطبق على ما تشابه حكمه مع ظروف عصر المؤمن الذي سيأتي من بعد وفاة الرسول الكريم من تاريخ الإسلام في الأرض، على اعتبار أن القرآن هو دستور المسلمين الدائم إلى يوم الدين)). الغريب أن نكتشف اليوم أن أغلب مسلمي الأرض اليوم هم من الذين قد عادوا فعكسوا الآية بدليل أنهم ما زالوا يتبعون علماء السلطة، من الذين ما يزال في قلوبهم زيغ، والدليل على زيغهم هو تركهـم تـطـبـيـق الآيات المتشابهات التي تخص زمن ما بعد الوحي من القرآن مفضلين اتباع الآيات المحكمات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها. عملية القلب تلك تجعل عودة المسلمين إلى سبيل الله تعالى القويم المبين في القرآن شبه مستحيلة إن لم يعد مفكروا المسلمين بالعمل متكافلين متضامنين على عكس اتجاه الأمة مرة أخرى وذلك بإنساء وهجر عملية التطبيق للآيات المحكمات التي أصبحت للعلم وللتاريخ من بعد خطبة حجة الوداع التي ألقاها الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة لأنها كانت كما قلنا فترة خاصة جدا باعتبارها كانت تحت قيادة الله تعالى المباشرة عن طريق الوحي الذي استمر بين السماء والأرض من بعد البعثة حتى وفاة الرسول الكريم، ليأتي بعدها دور تطبيق الآيات المتشابهات التي وجهها سبحانه لتطبق في مستقبل الأيام الآتية على المسلمين ما بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى يوم يبعثون. ذلك الإنقلاب الفكري لا يعود من المفارقات الغريبة إن أدرك مسلم اليوم أن زمام الدين من بعد الراشدين أصبح بيد شياطين الإنس من الذين في قلوبهم مرض فبدأوا بتطبيق المحكم الذي كان موجها لعصر الرسول، وهجروا عن قصد الآيات المتشابهات التي خصها سبحانه لعصر ما بعد الوحي، المبينة علنا لرسوله في القرآن بقوله الكريم: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...*) 7-3. ولما كان أمر المحكم والمتشابه ومعرفة وقت تطبيقهما هاما بالنسبة لنا إلى ذلك الحد، بالتالي، علينا كي نعيد الفعالية للآيات المتشابهات هجر العمل بالآيات المحكمات، كما علينا أن نتعرف دون إبطاء على الآيات المتشابهات من القرآن، إن كنا نسعى فعلا وحقيقة إلى معرفة دين الله السوي كما أمر به سبحانه أن يطبق، ذلك الدين الذي أضاعه آباءنا على مر العصور باتباعهم لآبائهم الذين كانوا قد أضلوا من قبل شياطين الإنس. علينا أن نواجه الحقيقة التي لا مفر من مواجهتها، تلك الحقيقة التي تقول أن لا سبيل للتعرف على مفاتيح فهم القرآن، إلا من خلال آيات القرآن نفسها، فالقرآن هو الذي يفسر ويبين بعضه بعضا. علينا أن لا ننس أو نتوه عن ذلك الشعار الذي يعتبر القاعدة الذهبية لفهم القرآن من ذات القرآن، ليترسخ في ذاكرة المسلم أن: لا مفسر ولا مبين لآيات القرآن إلا ما قاله الله تعالى في نفس القرآن. بالتالي، إذا قلنا لمسلم يحب الله تعالى ورسوله الكريم ويحب كتاب القرآن، لن تفهم كتاب الله تعالى طالما بقيت متكلا ومستعينا على فهمه بكتب الأولين من تفاسير وتآويل ما أنزل الله بها من سلطان، نكون قد قلنا له الحقيقة وأبعدناه عن الأباطيل. علينا إن كنا مؤمنين حقا، أن نستعيد إلى ذاكرتنا حقيقة هامة تجاهلها أغلب علماء المسلمين، ذكرناها من قبل ونذكرها الآن مرة أخرى للتأكيد: هي أن القرآن قد نزل بلسان قريش ولهجتها العربية الخاصة بذلك القوم، ولم ينزل باللغة العربية الفصحى الجامعة لكل ألسنة القبائل العربية، التي تأخر تشكلها وظهورها إلى العصر العباسي، حيث دعت الضرورة إلى وجود لغويين من أمثال سيبويه، الذين فكروا ثم وضعوا قواعد لها مستندين لكل اللهجات العربية الأخرى ليسهل على باقي الشعوب العربية وعلى الأعاجم من الذين دخلوا الإسلام وكانوا راغبين في فهم آيات القرآن مباشرة من ذات القرآن. والقاعدة الطبيعية في تعلم أي لغة، هي أن يتعلم الطفل لغة أمه منها مباشرة، دون أي ضرورة بالسعي إلى تعليمه أية قواعد مسبقة عنها، لكن الإنسان الذي يسعى إلى تعلم لغة ثانية إلى جانب لغة أمه عندها تصبح تعلم تلك القواعد ضرورية. عدم إلمام أغلبية المسلمين بتلك الحقيقة ما زالت تشكل حاجزا يمنعهم من فهم كثير من معاني كلمات آيات القرآن إلى اليوم. المعلوم أن الهجات العربية تختلف في تسميتها للأشياء والأحياء، وهذا هو سر وجود مترادفات كثيرة لها في اللغة العربية الفصحى الجامعة لألسنة العرب جميعا. لكن عدم وجود كلمات مترادفة في القرآن الذي نزل بلسان الرسول ذو اللهجة القرشية في القرن السابع ميلادي، ما زال يشهد على تلك الحقيقة. علما أن اللهجات العربية تختلف في خصوصيتها اللفظية للكلمات والأسماء التي تختلف من بيئة لأخرى، تماما كما نشاهد ذلك في عصرنا الحاضر ونجده أمرا طبيعيا، مثل اللهجات العربية التي منها المغربية والجزائرية والمصرية واليمنية والخليجية والعراقية والسورية، هذا بالإضافة إلى وجود لهجات مختلفة داخل كل قطر منها حسب اختلاف أقاليمها ومدنها. هذا مع الأخذ بالإعتبار أن تلك اللهجات تتطور أيضا مع الزمن مستحدثة كلمات جديدة مبدلة معاني كلمات قديمة. لذا لا بد للمفكرين الساعين إلى فهم كتاب الله تعالى اليوم من دراسة لغة القرآن كلهجة خاصة بقوم قريش من جديد، كي يستعيدوا المعاني المقصودة بتلك الكلمات، مستعينين بالنصوص الأدبية المعاصرة للقرآن لشعراء قرشيين إن وجدوا، أو أن نبحث عن المعنى من مفردات كلمات القرآن نفسها كي نعلم مقاصد الرحمن من سياق نصوص نفس الآيات. لتقريب الفكرة التي أقصدها سأضرب مثلا بكلمة: ضرب ومفرداتها التي وردت في آيات القرآن 57 مرة التي أتت في غالبيتها على ضرب المثل والأمثال: ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون*) 27-39. كما أتى معنى ضرب في الأرض بمعنى: سار على غير هدى، في قوله تعالى: ( وإن أنتم ضربتم في الأرض) 106-5. وأتى بمعنى إلقاء شيء على شيء آخر لتغطيته، كما في قوله تعالى: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) 31-25. والجيوب هي الفتحات من عورات النساء. كما أتت بمعنى: سددوا بسيوفكم على هدف محدد هو الرأس، الذي بتعطله يتعطل جسد المحارب جملة، وفي الثانية نفس المعنىأيضا: سددوا بسيوفكم على أنامل سواعد أعدائكم، لأن قطعها يعطل المحارب الذي كان يستخدم أنامله للإمساك بالسيف أو بالرمح أو رمي النبال جملة عن القتال وهذا هو المطلوب من كل المحاربين في الجيوش أثناء نشوب القتال، فهدف كل المقاتلين في كل المعارك هو تعطيل المقاتل وإخراجه من المعركة والقتل إحداها. ذلك كما في قوله تعالى: ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان*) 12-8. كما أتت بمعنى ألقيت عليهم الذلة والمسكنة: ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) 61-2 . بينما في قوله تعالى: ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين*) 5-43. أتت بمعنى: التجاهل، وبما أن الكلمة أتت بصيغة: أفنضرب أصبحت بمعنى: أنتجاهل عن آثامكم ونصفح عنكم وعن إسرافكم بحق أنفسكم. كما أتت بنفس المعنى في قوله تعالى من الآية التي بينت أسلوب معاملة النساء إذا بدر منهن ما يدل على رغبتهن في النشوز: ( واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلا...*) 34-4. اضربوهن هنا أتت بمعنى تجاهلوهن للتعبير عن عدم الرضى، مثل السجناء الذين يضربون عن الطعام للتعبير عن عدم رضاهم على سوء معاملة إدارة السجن كأسلوب ضاغط عليها لتغيير الأسلوب. أو مثل إضراب العمال عن العمل في المعامل والنقابات للتعبير عن عدم رضاهم بالأجور مثلا. بهذا الأسلوب من دراسة الكلمات في الآيات المختلفة يمكننا اكتشاف مقاصد الكلمات القرآنية، حيث علمنا أن المعنى المتعارف عليه اليوم عندما نقول مثلا: ضرب السجان المحكوم بالسوط ثمانين ضربة، نجد بالمقابل قد أتى قول الله تعالى في القرآن حسب لسان قريش الذي كان لسان الرسول: ( فاجلدوهم ثمانين جلدة...*) 4-24. ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة*) 2-24. ولما كان بيان القرآن وتفسير كلماته لن يتوفر لمؤمن يبحث عنها إلا من ذات القرآن، فقد نبهنا سبحانه إلى تلك الحقيقة مخاطبا رسوله الكريم: ( لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه * ) 16-19-75. من كل ما تقدم نستطيع أن نستنتج: أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي بين لرسوله وللمؤمنين الآيات المتشابهات في القرآن بإشارة منه إلى سبع سور كل آياتها من الآيات المتشابهات وذلك عندما قال: ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) 23-39. ثم أشار سبحانه إلى تلك المثاني مرة أخرى بقوله الكريم: ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) 87-15. وبما أن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن لعباده في الأرض كافة، فقد أنزله ليفهمه عباده بسهولة من غير تعجيز، فحرف الواو مثلا في تلك الآية ليست للعطف بل هي واو المعية. لذا ليس من الصعب أن يجد المؤمن الباحث عن الحقيقة في كتاب الله السبع المثاني التي يسهل تمييزها بعد أن يفهم أن كلمة المثاني ليست جمعا لكلة ثناء بمعنى الشكر التي لم ترد في القرآن بذلك المعنى بل وردت جمعا لكلمة مثنى. وليس في كل القرآن ما يمكن أن نطلق عليه السبع المثاني، إلا لسبع سور متتاليات كلها نزلت في مكة وكلها تبدأ بمثنى من الحروف، وهي الحاء والميم، وأتت مباشرة بعد سورة الزمرالتي أشارت منذ البداية إلى موضوع تلك المثاني، بالآية التي ذكرناها قبل قليل، وكان رقمها: 23-39. وتلك السور السبعة هي: ((غافر- فصلت - الشورى - الزخرف - الدخان - الجاثية – الأحقاف))*
في الموضوع السابق تعرفنا على أسلوب تمييز الآيات المحكمات عن باقي الآيات الأخرى في القرآن، مستندين على نفس أيات الكتاب متجنبين باقي الكتب الأخرى. لكن بقي علينا البحث عن السبيل المؤدي إلى تمييز الآيات المتشابهات عن باقي آيات القرآن المختلفة بنفس الأسلوب. حيث أصبح من السهل علينا الآن التعرف على الآيات المحكمات التي كانت تشكل القاعدة التي أسس عليها الله تعالى دينه للعالمين في الأرض مسميا سبحانه ذلك الجزء من القرآن: بأم الكتاب، التي تعطي من خلال آياتها صورة حقيقية لفترة حكم الله تعالى الفعلي في الأرض خلال استمرار وحيه على رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، مبينة أن تلك الفترة كانت الفترة الإسلامية الوحيدة التي لا يمكن لها أن تتكرر على الأرض مرة أخرى لكون القرآن العظيم هو خاتم الوحي والرسالات. بالتالي، معرفتنا لهذه الحقيقة بداية، ستسهل علينا تمييز باقي آيات الكتاب كمجموعات أخرى مختلفة، يهمنا التعرف الآن على الآيات المتشابهات من باقي الأنواع مثل: آيات القصص أو آيات الأمثال أو آيات تفصيل الكتاب. قبل تعريف الآيات المتشابهات علينا دراسة الآية المحكمة التي تشرح للرسول وللمؤمنين من بعده بوجود نوعين مختلفين من الآيات في القرآن، نوع سماه سبحانه الآيات المحكمات، مقررا أنها تشكل بمجموعها أم الكتاب ونوع آخر سماه الآيات المتشابهات: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألوا الألباب* ) 7-3. الآية تخاطب الرسول الكريم ومعاصريه بوضوح لا لبس فيه أن الذين كانوا وما زالوا يحملون في قلوبهم زيغ يفضلون إتباع الآيات المتشابهات، ابتغاء الفتنة وإبتغاء تأويلها في عصر الرسول الكريم، لتنقلب الآية من بعده فيبدأ التابعون تطبيق الآيات المحكمات في العصر الأموي وفي العصور التي تلتها بدلا عن تطبيق المتشابهات. تلك الآية السابقة دليل ثابت وأكيد من القرآن على أن الذين كان في قلوبهم زيغ من التابعين هم الذين بدأوا عملية تطبيق المحكم وترك تطبيق المتشابه من آيات القرآن. مما سبق نستطيع تعريف المتشابه من الآيات قائلين: (( صفة المتشابه من آيات القرآن تنطبق على ما تشابه حكمه مع ظروف عصر المؤمن الذي سيأتي من بعد وفاة الرسول الكريم من تاريخ الإسلام في الأرض، على اعتبار أن القرآن هو دستور المسلمين الدائم إلى يوم الدين)). الغريب أن نكتشف اليوم أن أغلب مسلمي الأرض اليوم هم من الذين قد عادوا فعكسوا الآية بدليل أنهم ما زالوا يتبعون علماء السلطة، من الذين ما يزال في قلوبهم زيغ، والدليل على زيغهم هو تركهـم تـطـبـيـق الآيات المتشابهات التي تخص زمن ما بعد الوحي من القرآن مفضلين اتباع الآيات المحكمات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها. عملية القلب تلك تجعل عودة المسلمين إلى سبيل الله تعالى القويم المبين في القرآن شبه مستحيلة إن لم يعد مفكروا المسلمين بالعمل متكافلين متضامنين على عكس اتجاه الأمة مرة أخرى وذلك بإنساء وهجر عملية التطبيق للآيات المحكمات التي أصبحت للعلم وللتاريخ من بعد خطبة حجة الوداع التي ألقاها الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة لأنها كانت كما قلنا فترة خاصة جدا باعتبارها كانت تحت قيادة الله تعالى المباشرة عن طريق الوحي الذي استمر بين السماء والأرض من بعد البعثة حتى وفاة الرسول الكريم، ليأتي بعدها دور تطبيق الآيات المتشابهات التي وجهها سبحانه لتطبق في مستقبل الأيام الآتية على المسلمين ما بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى يوم يبعثون. ذلك الإنقلاب الفكري لا يعود من المفارقات الغريبة إن أدرك مسلم اليوم أن زمام الدين من بعد الراشدين أصبح بيد شياطين الإنس من الذين في قلوبهم مرض فبدأوا بتطبيق المحكم الذي كان موجها لعصر الرسول، وهجروا عن قصد الآيات المتشابهات التي خصها سبحانه لعصر ما بعد الوحي، المبينة علنا لرسوله في القرآن بقوله الكريم: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...*) 7-3. ولما كان أمر المحكم والمتشابه ومعرفة وقت تطبيقهما هاما بالنسبة لنا إلى ذلك الحد، بالتالي، علينا كي نعيد الفعالية للآيات المتشابهات هجر العمل بالآيات المحكمات، كما علينا أن نتعرف دون إبطاء على الآيات المتشابهات من القرآن، إن كنا نسعى فعلا وحقيقة إلى معرفة دين الله السوي كما أمر به سبحانه أن يطبق، ذلك الدين الذي أضاعه آباءنا على مر العصور باتباعهم لآبائهم الذين كانوا قد أضلوا من قبل شياطين الإنس. علينا أن نواجه الحقيقة التي لا مفر من مواجهتها، تلك الحقيقة التي تقول أن لا سبيل للتعرف على مفاتيح فهم القرآن، إلا من خلال آيات القرآن نفسها، فالقرآن هو الذي يفسر ويبين بعضه بعضا. علينا أن لا ننس أو نتوه عن ذلك الشعار الذي يعتبر القاعدة الذهبية لفهم القرآن من ذات القرآن، ليترسخ في ذاكرة المسلم أن: لا مفسر ولا مبين لآيات القرآن إلا ما قاله الله تعالى في نفس القرآن. بالتالي، إذا قلنا لمسلم يحب الله تعالى ورسوله الكريم ويحب كتاب القرآن، لن تفهم كتاب الله تعالى طالما بقيت متكلا ومستعينا على فهمه بكتب الأولين من تفاسير وتآويل ما أنزل الله بها من سلطان، نكون قد قلنا له الحقيقة وأبعدناه عن الأباطيل. علينا إن كنا مؤمنين حقا، أن نستعيد إلى ذاكرتنا حقيقة هامة تجاهلها أغلب علماء المسلمين، ذكرناها من قبل ونذكرها الآن مرة أخرى للتأكيد: هي أن القرآن قد نزل بلسان قريش ولهجتها العربية الخاصة بذلك القوم، ولم ينزل باللغة العربية الفصحى الجامعة لكل ألسنة القبائل العربية، التي تأخر تشكلها وظهورها إلى العصر العباسي، حيث دعت الضرورة إلى وجود لغويين من أمثال سيبويه، الذين فكروا ثم وضعوا قواعد لها مستندين لكل اللهجات العربية الأخرى ليسهل على باقي الشعوب العربية وعلى الأعاجم من الذين دخلوا الإسلام وكانوا راغبين في فهم آيات القرآن مباشرة من ذات القرآن. والقاعدة الطبيعية في تعلم أي لغة، هي أن يتعلم الطفل لغة أمه منها مباشرة، دون أي ضرورة بالسعي إلى تعليمه أية قواعد مسبقة عنها، لكن الإنسان الذي يسعى إلى تعلم لغة ثانية إلى جانب لغة أمه عندها تصبح تعلم تلك القواعد ضرورية. عدم إلمام أغلبية المسلمين بتلك الحقيقة ما زالت تشكل حاجزا يمنعهم من فهم كثير من معاني كلمات آيات القرآن إلى اليوم. المعلوم أن الهجات العربية تختلف في تسميتها للأشياء والأحياء، وهذا هو سر وجود مترادفات كثيرة لها في اللغة العربية الفصحى الجامعة لألسنة العرب جميعا. لكن عدم وجود كلمات مترادفة في القرآن الذي نزل بلسان الرسول ذو اللهجة القرشية في القرن السابع ميلادي، ما زال يشهد على تلك الحقيقة. علما أن اللهجات العربية تختلف في خصوصيتها اللفظية للكلمات والأسماء التي تختلف من بيئة لأخرى، تماما كما نشاهد ذلك في عصرنا الحاضر ونجده أمرا طبيعيا، مثل اللهجات العربية التي منها المغربية والجزائرية والمصرية واليمنية والخليجية والعراقية والسورية، هذا بالإضافة إلى وجود لهجات مختلفة داخل كل قطر منها حسب اختلاف أقاليمها ومدنها. هذا مع الأخذ بالإعتبار أن تلك اللهجات تتطور أيضا مع الزمن مستحدثة كلمات جديدة مبدلة معاني كلمات قديمة. لذا لا بد للمفكرين الساعين إلى فهم كتاب الله تعالى اليوم من دراسة لغة القرآن كلهجة خاصة بقوم قريش من جديد، كي يستعيدوا المعاني المقصودة بتلك الكلمات، مستعينين بالنصوص الأدبية المعاصرة للقرآن لشعراء قرشيين إن وجدوا، أو أن نبحث عن المعنى من مفردات كلمات القرآن نفسها كي نعلم مقاصد الرحمن من سياق نصوص نفس الآيات. لتقريب الفكرة التي أقصدها سأضرب مثلا بكلمة: ضرب ومفرداتها التي وردت في آيات القرآن 57 مرة التي أتت في غالبيتها على ضرب المثل والأمثال: ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون*) 27-39. كما أتى معنى ضرب في الأرض بمعنى: سار على غير هدى، في قوله تعالى: ( وإن أنتم ضربتم في الأرض) 106-5. وأتى بمعنى إلقاء شيء على شيء آخر لتغطيته، كما في قوله تعالى: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) 31-25. والجيوب هي الفتحات من عورات النساء. كما أتت بمعنى: سددوا بسيوفكم على هدف محدد هو الرأس، الذي بتعطله يتعطل جسد المحارب جملة، وفي الثانية نفس المعنىأيضا: سددوا بسيوفكم على أنامل سواعد أعدائكم، لأن قطعها يعطل المحارب الذي كان يستخدم أنامله للإمساك بالسيف أو بالرمح أو رمي النبال جملة عن القتال وهذا هو المطلوب من كل المحاربين في الجيوش أثناء نشوب القتال، فهدف كل المقاتلين في كل المعارك هو تعطيل المقاتل وإخراجه من المعركة والقتل إحداها. ذلك كما في قوله تعالى: ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان*) 12-8. كما أتت بمعنى ألقيت عليهم الذلة والمسكنة: ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) 61-2 . بينما في قوله تعالى: ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين*) 5-43. أتت بمعنى: التجاهل، وبما أن الكلمة أتت بصيغة: أفنضرب أصبحت بمعنى: أنتجاهل عن آثامكم ونصفح عنكم وعن إسرافكم بحق أنفسكم. كما أتت بنفس المعنى في قوله تعالى من الآية التي بينت أسلوب معاملة النساء إذا بدر منهن ما يدل على رغبتهن في النشوز: ( واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلا...*) 34-4. اضربوهن هنا أتت بمعنى تجاهلوهن للتعبير عن عدم الرضى، مثل السجناء الذين يضربون عن الطعام للتعبير عن عدم رضاهم على سوء معاملة إدارة السجن كأسلوب ضاغط عليها لتغيير الأسلوب. أو مثل إضراب العمال عن العمل في المعامل والنقابات للتعبير عن عدم رضاهم بالأجور مثلا. بهذا الأسلوب من دراسة الكلمات في الآيات المختلفة يمكننا اكتشاف مقاصد الكلمات القرآنية، حيث علمنا أن المعنى المتعارف عليه اليوم عندما نقول مثلا: ضرب السجان المحكوم بالسوط ثمانين ضربة، نجد بالمقابل قد أتى قول الله تعالى في القرآن حسب لسان قريش الذي كان لسان الرسول: ( فاجلدوهم ثمانين جلدة...*) 4-24. ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة*) 2-24. ولما كان بيان القرآن وتفسير كلماته لن يتوفر لمؤمن يبحث عنها إلا من ذات القرآن، فقد نبهنا سبحانه إلى تلك الحقيقة مخاطبا رسوله الكريم: ( لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه * ) 16-19-75. من كل ما تقدم نستطيع أن نستنتج: أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي بين لرسوله وللمؤمنين الآيات المتشابهات في القرآن بإشارة منه إلى سبع سور كل آياتها من الآيات المتشابهات وذلك عندما قال: ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) 23-39. ثم أشار سبحانه إلى تلك المثاني مرة أخرى بقوله الكريم: ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) 87-15. وبما أن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن لعباده في الأرض كافة، فقد أنزله ليفهمه عباده بسهولة من غير تعجيز، فحرف الواو مثلا في تلك الآية ليست للعطف بل هي واو المعية. لذا ليس من الصعب أن يجد المؤمن الباحث عن الحقيقة في كتاب الله السبع المثاني التي يسهل تمييزها بعد أن يفهم أن كلمة المثاني ليست جمعا لكلة ثناء بمعنى الشكر التي لم ترد في القرآن بذلك المعنى بل وردت جمعا لكلمة مثنى. وليس في كل القرآن ما يمكن أن نطلق عليه السبع المثاني، إلا لسبع سور متتاليات كلها نزلت في مكة وكلها تبدأ بمثنى من الحروف، وهي الحاء والميم، وأتت مباشرة بعد سورة الزمرالتي أشارت منذ البداية إلى موضوع تلك المثاني، بالآية التي ذكرناها قبل قليل، وكان رقمها: 23-39. وتلك السور السبعة هي: ((غافر- فصلت - الشورى - الزخرف - الدخان - الجاثية – الأحقاف))*