الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في السماء عرشه و في كل مكان رحمته وسلطانه وسع الخلائق خيره و لم يسع الناس غيره و أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله شهد الذئب بنبوته و شهد القمر برسالته وتفرق السحاب إكراما لإشارته بعثه الله جل وعلا على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب فأدى الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين فصل الله وسلم وبارك وأنعم عليه كما وحد الله وعرف به ودعا إليه اللهم وعلى آله و أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..
أيها المؤمنون :
فإنه ما من وصية أبلغ ولا من أمر أعظم من قول الله جل وعلا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج2] . ثم أعلموا عباد الله أن نبيكم صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من أصحابه ومع نبيكم معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه فأخذوا يتذاكرون الدعاء فكان من جملة ما قاله ذلك الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه : ( أما وإني لا أحسن دندنتك ولا دندنت معاذ ولكنني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار ) فقال صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: ( حولها ندندن ) أي ما تسأله الله جل وعلا هو ما نسأله أنا ومعاذ إياه .
أيها المؤمنون :
قد يظن البعض أن الحديث عن الجنة أمر تقليداً مكرراً تكاد تسأمه بعض النفوس ولا ريب أن هذا خلاف الفطرة وخلاف هدي محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه وهل أرّق الصالحين وأقض مضاجع المتقين إلا أنهم يخافون أن يُمنعوا من دخول الجنة وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من الأخيار عبر الدهور والعصور إلا وهم يسألون الله جل وعلا أن يدخلهم الجنة وهل خير صلى الله عليه وسلم عند موته حتى يتسنى له البقاء والخلد في الدنيا بأعظم من أن يقال له الخلد في الدنيا ثم الجنة فاختار صلى الله عليه وسلم لقاء ربه ثم الجنة وهل وعد الله جل وعلا عباده الأبرار وأتباعه الأخيار ممن آمن به من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة بعطاء هو أعظم أو أجل من الجنة {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة17] . وهل عاقب الله جل وعلا أحد ممن عصاه بأعظم من حرمانه من دخول الجنة أعاذنا الله و إياكم من الخذلان والحرمان .
أيها المؤمنون :
الجنة خلقها الله جل وعلا في ظاهر أقوال العلماء وظاهر القرآن خلقها الله جل وعلا بيده وهي الدار التي أعدها الله تبارك وتعالى لأوليائه وأهل طاعته . وقد اختلف العلماء في الجنة التي أدخلها الله جل وعلا أبانا آدم عليه السلام يوم خلقه قال الله جل وعلا في سورة البقرة : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }[البقرة35] . فقال كثيرٌ منهم " إن المقصود بها جنة المأوى جنة الخلد التي وعدها الله جل وعلا عباده المتقين بعد بعثهم " . وقال آخرون من أهل العلم من أهل السنة وغيرهم قالوا : " إنها ليست جنة الخلد وليست جنة المأوى التي وعدها الله جل وعلا عباده بعد البعث ولكنها جنة إمّا في السماء الدنيا وإمّا في الأرض " .
واستدلوا على ذلك بأمور منها :
أن الله جل وعلا أخرج آدم منها وقالوا : " الأصل أن الجنة دار خلد فكيف أُخرج آدم منها "وقالوا ضمن أدلتهم : " أن الله جل وعلا كلّف فيها آدم وابتلاه بأن لا يأكل من الشجرة و الجنة الأصل أنه لا تكليف ولا ابتلاء فيها " وقالوا : " إن الشيطان دخل إليها فوسوس إلى آدم والأصل أن الشيطان لا يدخل الجنة " . إلى جملة من الأدلة و البراهين عندهم . والظاهر والله أعلم أن كل ذلك جرى بقدر الله ولا نجزم به والأظهر الذي دل عليه القرآن أنها جنة الخلد لأن الله عز وجل قال : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } والألف واللام فيها للعهد وليس في عهد من يقرأ القرآن وذهنه إلا أنها جنة الخلد إذ لم يذكر القرآن جنة غيرها في كلام الله جل وعلا .
كما أن من جملة الأدلة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في الصحيح أخبر : ( أن أهل الموقف من أهل الجنة يوم القيامة من المؤمنين يأتون أباهم آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول آدم عليه السلام : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) فظاهر قوله عليه السلام : ( وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) أنها جنة المأوى التي وعدها الله جل وعلا عباده وأياً كان الأمر فإن المسلمين متفقون على أن الجنة التي وعدها الله عباده المؤمنين هي جنة المأوى وجنة الخلد في السماء السابعة وأنها مخلوقة موجودة الآن قدر الله لها أنها لا تبيد ولا تفنى .
أيها المؤمنون :
هذه الجنة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها قيعان وأن أعظم غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر , فقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( لما عرج بي لقيت خليل الله إبراهيم فأوصاني قائلاً : يا محمد أقرئ مني أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله و الحمد لله و لا آله إلا الله والله أكبر ) .
هذه الجنة أيها المؤمنون عظم شوقها إلى بعض عباد الله الصالحين قال صلى الله عليه وسلم كما في الخبر الصحيح قال : ( إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة إلى علي وعمار و سلمان ) رضوان الله جل وعلا عليهم .
ولا يعني ذلك أن الجنة لا تشتاق إلى غيرهم فإن الحديث في سياق الخبر وليس في سياق الحصر فلا ريب أن الجنة تشتاق إلى أبي بكر وعمر وغيرهما من عباد الله المؤمنين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فقط عن ثلاثة ليبين مال هؤلاء الثلاثة من عظيم القدر و جليل المكانة عند ربنا تبارك وتعالى .
هذه الجنة يُمنع عنها أقوام بالكلية فلا يدخلونها أبداً رغم ما فيها من الفضل و ما جعل الله فيها من الرحمة و ما فيها من نعيم الله الذي لا ينفذ وقرة العين التي لا تنقطع . وهؤلاء والعياذ بالله هم أهل الكفر والإشراك قال الله جل وعلا : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة72 ] . فمن أشرك بالله أو كفر به جل وعلا فإن الجنة عليه حرام. حراماً تحريماً مؤبداً فإن الله جل و علا أخبر أنه ما بعث الرسل ولا أنزل الكتب ولا خلق الجن والإنس ولا أُقيم سوق العرض ولا خلقت السماوات والأرض إلا ليوحد سبحانه ويعبد دون سواه فمن خالف هذا الأمر الرباني الإلهي الذي أجراه الله على الأمم كلها كان حرام عليه بقدر الله أن يدخل الجنة قال الله جل وعلا عن أهل معصيته بعد أن بين سبب عذابهم والنكالِ بهم وحرمانهم من نعمة الله قال : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات35] .
فمن ذلت عينه وقلبه وخشعت نفسه أمام هذه الكلمة وفق لكل خير ومن منعها ولم يجد لها مكاناًً أو مساقاً في قلبه فالجنة عليه حرام بكلام رب العالمين جل جلاله جعلنا الله وإياكم ممن يؤمن به ويعبده وحده دون سواه . هؤلاء من حرم الله عليهم الجنة تحريماً مؤبداً .
ومن الناس من ذل لهذه الكلمة لكنه عصى النبي صلى الله عليه وسلم عصى الشرع في أمور كثيرة فهؤلاء لا يمكن لهم أن يدخلوا الجنة ابتداءً ولو ماتوا على التوحيد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ) . الجنة من أعظم المنازل ولا يدخلها إلا ذو قلب سليم وكيف تجتمع سلامة قلب مع عقوق لوالدة حملتك تسعة أشهر أو عقوق لوالد رباك ورعاك . عقوق الوالدين من أعظم ما يمنع رحمة الله جل وعلا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ) .
الخمر أم الخبائث حرمها الله في كتابه وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم وهي مظنة كل شر وسبب كل بلاء وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ) ولو مات على لا إله إلا الله إلا أن يكون قد تاب قبل وفاته فإن الخمر والعياذ بالله حرّمها الله وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببها عشراً من الناس ولم يرد في الشرع كله أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن بسبب شيء معين عشراً من العباد إلا ما ورد في لعن الخمر وشاربها و بقية العشرة أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله.
قد يكون للإنسان جار ولكن ذلك الجار والعياذ بالله فيه من الخلل و الزلل ما يجعلك لا تأمن أنت ولا زوجتك ولا أبناؤك ولا بناتك ذلك الجار تخاف على بناتك وأبنائك إذا سافرت يؤذيك في كل شيء من موقف سيارتك إلى عرضك وأهل بيتك هذا الجار حرم الله عليه على لسان رسوله أن يدخل الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) أعاذنا الله وإياكم من سوء الجار .
كما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل الجنة ابتداءً قاطع الرحم . والإنسان والعياذ بالله إذا غلبت عليه الأنانية وحب الذات وحرم منه أقرباؤه حرم منه أعمامه وأخواله وعماته وخالاته الفقير والبائس والمسكين وذو الحاجة منه حرموا من عطائه إما بحجج واهية كاشتغال بطلب علم أو بحضور محاضرات أو بتجارة أو بأمثال ذلك من الحجج الواهية . قال صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح : ( لا يدخل الجنة قاطع ) أي لا يدخل الجنة قاطع رحم لأن الرحم اشتق الله لها جل وعلا اسم من أسمائه وقال: ( أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ) . فهؤلاء وأمثالهم ممن نص الشرع عليهم حرم الله جل وعلا عليهم دخول الجنة ابتداءً .
أيها المؤمنون :
فإنه ما من وصية أبلغ ولا من أمر أعظم من قول الله جل وعلا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج2] . ثم أعلموا عباد الله أن نبيكم صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من أصحابه ومع نبيكم معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه فأخذوا يتذاكرون الدعاء فكان من جملة ما قاله ذلك الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه : ( أما وإني لا أحسن دندنتك ولا دندنت معاذ ولكنني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار ) فقال صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: ( حولها ندندن ) أي ما تسأله الله جل وعلا هو ما نسأله أنا ومعاذ إياه .
أيها المؤمنون :
قد يظن البعض أن الحديث عن الجنة أمر تقليداً مكرراً تكاد تسأمه بعض النفوس ولا ريب أن هذا خلاف الفطرة وخلاف هدي محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه وهل أرّق الصالحين وأقض مضاجع المتقين إلا أنهم يخافون أن يُمنعوا من دخول الجنة وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من الأخيار عبر الدهور والعصور إلا وهم يسألون الله جل وعلا أن يدخلهم الجنة وهل خير صلى الله عليه وسلم عند موته حتى يتسنى له البقاء والخلد في الدنيا بأعظم من أن يقال له الخلد في الدنيا ثم الجنة فاختار صلى الله عليه وسلم لقاء ربه ثم الجنة وهل وعد الله جل وعلا عباده الأبرار وأتباعه الأخيار ممن آمن به من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة بعطاء هو أعظم أو أجل من الجنة {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة17] . وهل عاقب الله جل وعلا أحد ممن عصاه بأعظم من حرمانه من دخول الجنة أعاذنا الله و إياكم من الخذلان والحرمان .
أيها المؤمنون :
الجنة خلقها الله جل وعلا في ظاهر أقوال العلماء وظاهر القرآن خلقها الله جل وعلا بيده وهي الدار التي أعدها الله تبارك وتعالى لأوليائه وأهل طاعته . وقد اختلف العلماء في الجنة التي أدخلها الله جل وعلا أبانا آدم عليه السلام يوم خلقه قال الله جل وعلا في سورة البقرة : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }[البقرة35] . فقال كثيرٌ منهم " إن المقصود بها جنة المأوى جنة الخلد التي وعدها الله جل وعلا عباده المتقين بعد بعثهم " . وقال آخرون من أهل العلم من أهل السنة وغيرهم قالوا : " إنها ليست جنة الخلد وليست جنة المأوى التي وعدها الله جل وعلا عباده بعد البعث ولكنها جنة إمّا في السماء الدنيا وإمّا في الأرض " .
واستدلوا على ذلك بأمور منها :
أن الله جل وعلا أخرج آدم منها وقالوا : " الأصل أن الجنة دار خلد فكيف أُخرج آدم منها "وقالوا ضمن أدلتهم : " أن الله جل وعلا كلّف فيها آدم وابتلاه بأن لا يأكل من الشجرة و الجنة الأصل أنه لا تكليف ولا ابتلاء فيها " وقالوا : " إن الشيطان دخل إليها فوسوس إلى آدم والأصل أن الشيطان لا يدخل الجنة " . إلى جملة من الأدلة و البراهين عندهم . والظاهر والله أعلم أن كل ذلك جرى بقدر الله ولا نجزم به والأظهر الذي دل عليه القرآن أنها جنة الخلد لأن الله عز وجل قال : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } والألف واللام فيها للعهد وليس في عهد من يقرأ القرآن وذهنه إلا أنها جنة الخلد إذ لم يذكر القرآن جنة غيرها في كلام الله جل وعلا .
كما أن من جملة الأدلة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في الصحيح أخبر : ( أن أهل الموقف من أهل الجنة يوم القيامة من المؤمنين يأتون أباهم آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول آدم عليه السلام : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) فظاهر قوله عليه السلام : ( وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) أنها جنة المأوى التي وعدها الله جل وعلا عباده وأياً كان الأمر فإن المسلمين متفقون على أن الجنة التي وعدها الله عباده المؤمنين هي جنة المأوى وجنة الخلد في السماء السابعة وأنها مخلوقة موجودة الآن قدر الله لها أنها لا تبيد ولا تفنى .
أيها المؤمنون :
هذه الجنة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها قيعان وأن أعظم غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر , فقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( لما عرج بي لقيت خليل الله إبراهيم فأوصاني قائلاً : يا محمد أقرئ مني أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله و الحمد لله و لا آله إلا الله والله أكبر ) .
هذه الجنة أيها المؤمنون عظم شوقها إلى بعض عباد الله الصالحين قال صلى الله عليه وسلم كما في الخبر الصحيح قال : ( إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة إلى علي وعمار و سلمان ) رضوان الله جل وعلا عليهم .
ولا يعني ذلك أن الجنة لا تشتاق إلى غيرهم فإن الحديث في سياق الخبر وليس في سياق الحصر فلا ريب أن الجنة تشتاق إلى أبي بكر وعمر وغيرهما من عباد الله المؤمنين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فقط عن ثلاثة ليبين مال هؤلاء الثلاثة من عظيم القدر و جليل المكانة عند ربنا تبارك وتعالى .
هذه الجنة يُمنع عنها أقوام بالكلية فلا يدخلونها أبداً رغم ما فيها من الفضل و ما جعل الله فيها من الرحمة و ما فيها من نعيم الله الذي لا ينفذ وقرة العين التي لا تنقطع . وهؤلاء والعياذ بالله هم أهل الكفر والإشراك قال الله جل وعلا : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة72 ] . فمن أشرك بالله أو كفر به جل وعلا فإن الجنة عليه حرام. حراماً تحريماً مؤبداً فإن الله جل و علا أخبر أنه ما بعث الرسل ولا أنزل الكتب ولا خلق الجن والإنس ولا أُقيم سوق العرض ولا خلقت السماوات والأرض إلا ليوحد سبحانه ويعبد دون سواه فمن خالف هذا الأمر الرباني الإلهي الذي أجراه الله على الأمم كلها كان حرام عليه بقدر الله أن يدخل الجنة قال الله جل وعلا عن أهل معصيته بعد أن بين سبب عذابهم والنكالِ بهم وحرمانهم من نعمة الله قال : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات35] .
فمن ذلت عينه وقلبه وخشعت نفسه أمام هذه الكلمة وفق لكل خير ومن منعها ولم يجد لها مكاناًً أو مساقاً في قلبه فالجنة عليه حرام بكلام رب العالمين جل جلاله جعلنا الله وإياكم ممن يؤمن به ويعبده وحده دون سواه . هؤلاء من حرم الله عليهم الجنة تحريماً مؤبداً .
ومن الناس من ذل لهذه الكلمة لكنه عصى النبي صلى الله عليه وسلم عصى الشرع في أمور كثيرة فهؤلاء لا يمكن لهم أن يدخلوا الجنة ابتداءً ولو ماتوا على التوحيد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ) . الجنة من أعظم المنازل ولا يدخلها إلا ذو قلب سليم وكيف تجتمع سلامة قلب مع عقوق لوالدة حملتك تسعة أشهر أو عقوق لوالد رباك ورعاك . عقوق الوالدين من أعظم ما يمنع رحمة الله جل وعلا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ) .
الخمر أم الخبائث حرمها الله في كتابه وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم وهي مظنة كل شر وسبب كل بلاء وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ) ولو مات على لا إله إلا الله إلا أن يكون قد تاب قبل وفاته فإن الخمر والعياذ بالله حرّمها الله وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببها عشراً من الناس ولم يرد في الشرع كله أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن بسبب شيء معين عشراً من العباد إلا ما ورد في لعن الخمر وشاربها و بقية العشرة أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله.
قد يكون للإنسان جار ولكن ذلك الجار والعياذ بالله فيه من الخلل و الزلل ما يجعلك لا تأمن أنت ولا زوجتك ولا أبناؤك ولا بناتك ذلك الجار تخاف على بناتك وأبنائك إذا سافرت يؤذيك في كل شيء من موقف سيارتك إلى عرضك وأهل بيتك هذا الجار حرم الله عليه على لسان رسوله أن يدخل الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) أعاذنا الله وإياكم من سوء الجار .
كما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل الجنة ابتداءً قاطع الرحم . والإنسان والعياذ بالله إذا غلبت عليه الأنانية وحب الذات وحرم منه أقرباؤه حرم منه أعمامه وأخواله وعماته وخالاته الفقير والبائس والمسكين وذو الحاجة منه حرموا من عطائه إما بحجج واهية كاشتغال بطلب علم أو بحضور محاضرات أو بتجارة أو بأمثال ذلك من الحجج الواهية . قال صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح : ( لا يدخل الجنة قاطع ) أي لا يدخل الجنة قاطع رحم لأن الرحم اشتق الله لها جل وعلا اسم من أسمائه وقال: ( أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ) . فهؤلاء وأمثالهم ممن نص الشرع عليهم حرم الله جل وعلا عليهم دخول الجنة ابتداءً .