الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأنا وذكرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
فهذا العقد السادس من برنامجنا (( مجمع البحرين ))
والعلمان اللذان سندرسهما هما نبيا الله (( موسى وهارون )) صلوات الله وسلامه عليهما .
الأنبياء جم غفير يتجاوزن المائة ألف والرسل منهم ثلاثمائة و بضعة عشر رسولا.
والفرق بين النبي والرسول:
أن النبي يسوس الناس على شريعة من قبله من الرسل أما الرسول فإنه يأتي بشرع جديد ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم ( إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء ) تسوسهم الأنبياء بعد وفاة نبي الله موسى إلى أن أرسل الله وبعث عيسى بن مريم عليه السلام .
وموسى وهارون أخوان شقيقان لأم وأب واحد هارون بن عمران وموسى بن عمران.
الفرق بينهما من جوانب متعددة:
هارون أكبر من موسى وأسبق موتا منه أي هارون تقدم مولده وتقدمت وفاته .
ولد هارون في العام الذي كان فرعون لا يقتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل ونجاه الله جل وعلا في قصة معروفة لن نقف عندها طويلا لأنها شهيرة وقلنا إن هذا درس علمي محض .
موسى وهارون الأصل أن الله نبأ موسى وبعثه ثم إن موسى سأل الله تبارك وتعالى أن يجعل من أخيه هارون نبيا فاستجاب الله جل وعلا دعاءه ولهذا نعت الله جل وعلا موسى بقوله : { وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً } بعثهم الله جل وعلا إلى فرعون وملاءه { اذْهَبَاِ إِلَى فِرْعَوْنَ } وقال جل وعلا : { فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين } هذان موسى وهارون . هارون كان أفصح وموسى كان هو الأصل المخاطب به النبوة وهو أشد سكينة وحزما من أخيه وأعلم وأفضل جملة لأن الله جل وعلا فضل النبيين بعضهم على بعض وموسى معدود من ألو العزم من الرسل وكان هارون محببا في قومه أي في بني إسرائيل كانوا يحبونه جدا وقد جاء في رواية الإسراء والمعراج : ( فوجدت رجلا تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا ياجبريل؟ قال : هذا المحبب في قومه هارون بن عمران ) .
نعود إلى خبرهما ولنا معهما وقفات عليهما السلام:
الوقفة الأولى وقفة عقدية : ونحن في هذه الوقفات لا نلتزم بالأحداث التاريخية وإنما نلتزم بالوقفات بحسب أهميتها في الغالب فأولى الوقفات وقفة عقدية وهي أن الله جل وعلا وعد موسى ثلاثين ليلة فخرج من بني إسرائيل وقد جعل أخاه هارون عليهم { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } وخرج إلى الميقات الميقات كان زمانيا ومكانيا .
مكانيا : كان عند جبل الطور { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } . في الوادي المقدس {إ نِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } .
أما زمانيا : فكان أول الأمر ثلاثين يوما ثم مالبث أن أضحى أربعين بعد أن زاده الله عشرا . وجمهور المفسرين يقولون إن الثلاثين يوما كانت شهر ذي القعدة والعشرة أيام كانت الأوائل من ذي الحجة فيصبح بهذا أن الله كلم موسى الميقات الزماني يكون في يوم النحر يوم الحج الأكبر جاء موسى للميقات المكاني .
الله جل وعلا يقول : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ولا ريب أن تكليم الله لموسى فضل عظيم من الله لهذا العبد الصالح وهذا النبي المفضل وقد نص الله على هذا التكليم بقوله : { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } والله يقول هنا : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } فأضحى عليه السلام في معقل منيب ومنزل شريف ودرجة عالية فرغب وطمعت نفسه في مقام أعلى ألا هو مقام الرؤيا {قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } فكان الجواب الإلهي الرباني { لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ } .
هنا نقف الوقفة العقدية قال الله جل وعلا لموسى : { لَن تَرَانِي } استمسك بـ " لن " هذه النافية في كلام العرب استمسك بها المعتزلة فقالوا إن الله جل وعلا لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وممن حمل هذا اللواء من المشهورين منهم جار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف .
ونحن نجيب عن هذا الإشكال جوابا لغويا وجوابا شرعيا وكلاهما يدخل في عامة الجواب والرد عليه :
أما الجواب اللغوي: فإن حجتهم قول الله جل وعلا : { لَن تَرَانِي } فقالوا إن لن تعني النفي المؤبد في الدنيا والآخرة وهذا غير صحيح لأن الله جل وعلا ذكر اليهود وقال عنهم إنهم لا يتمنون الموت قال سبحانه : { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } ومع ذلك أخبر الله أن أهل النار واليهود قطعا منهم يتمنون الموت يوم القيامة فقال جل وعلا :{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } . وجه الدلالة يستفاد من هذا وجه الدلالة أن ليس كل نفي في الدنيا يشمل النفي في الآخرة هذا الجواب من حيث اللغة .
أما الجواب من حيث الأدلة النقلية: فإن القرآن والسنة كليهما دل على أن الله جل وعلا يراه عباده المؤمنون يوم القيامة بل إن الله جل وعلا لا تطيب الدنيا إلا بذكره ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه ولا تطيب الجنة إلا برؤيته ـ بلغنا الله وإياكم رؤيته في مقام كريم ـ فنقول دل الكتاب والسنة على أن الله جل وعلا يراه عباده المتقون يوم القيامة قال الله في القرآن : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }من النضرة جمال المحيا وطلاقته وبشاشته ونوره . { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } بالظاء أخت الطاء أي تنظر إلى الله.
والفعل " نظر " إما أن يتعدى بحرف وإما أن لا يتعدى بحرف تفصيل ذلك على التالي:
" نظر " من غير أن تتعدى تصبح بمعنى تهمل ومنه قول الله جل وعلا على لسان المنافقين { انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي تمهلوا علينا هذا من غير تعديها من غير حرف .
فإذا تعدت بحرف تتعدى بـ " في " وتتعدى بـ " إلى " .
فإذا تعدت بحرف الجر في فتعني التدبر تكلم أخاك في الهاتف تعرض عليه قضية ثم تقول له انظر في هذا الأمر الذي حدثتك فيه فهو لم يرى شيئا ولكن تقصد بقولك انظر في هذا الأمر أي تدبر فيه تفكر حتى أسمع منك جوابا ومنه قول الله جل وعلا : { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي أولم يتدبروا في ملكوت السموات والأرض .
وتتعدى أي نظر بحرف الجر إلى فإذا تعدت بحرف الجر إلى عمت الرؤية البصرية نظرت إلى الشجرة نظرت إلى الدار نظرت إلى أخي ومنه قول الله جل وعلا هنا في سورة القيامة : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وهذا جلي واضح .
ومن السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث صهيب عند مسلم في الصحيح : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وجوهنا ألم يجرنا من النار فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى ) . فالإنسان أحيانا يكون في سفر فيغلب عليه الشوق إلى من يحب أمه أبوه زوجته أبناؤه جيرانه ابنته ابنه الوحيد ابنته الوحيدة هذا يشعر به كل إنسان جبل على الفطرة وعندما يعود فيمتع ناظره بمن يحب كم يجد في نفسه من الفرحة فكيف إذا متع العبد المؤمن برؤية وجه الله تبارك وتعالى العلي الأعلى الذي لا اسم أعظم من اسمه ولا وجه أكرم من وجه ولا عطية أسخى وأحسن وأكمل من عطيته جل وعلا ـ بلغنا الله وإياكم ـ فنعود فنقول هذا الوقفة العقدية الأولى وقال عليه الصلاة والسلام كذلك : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون البدر لا تضامون في رؤيته ) هذه الوقفة العقدية .
فهذا العقد السادس من برنامجنا (( مجمع البحرين ))
والعلمان اللذان سندرسهما هما نبيا الله (( موسى وهارون )) صلوات الله وسلامه عليهما .
الأنبياء جم غفير يتجاوزن المائة ألف والرسل منهم ثلاثمائة و بضعة عشر رسولا.
والفرق بين النبي والرسول:
أن النبي يسوس الناس على شريعة من قبله من الرسل أما الرسول فإنه يأتي بشرع جديد ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم ( إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء ) تسوسهم الأنبياء بعد وفاة نبي الله موسى إلى أن أرسل الله وبعث عيسى بن مريم عليه السلام .
وموسى وهارون أخوان شقيقان لأم وأب واحد هارون بن عمران وموسى بن عمران.
الفرق بينهما من جوانب متعددة:
هارون أكبر من موسى وأسبق موتا منه أي هارون تقدم مولده وتقدمت وفاته .
ولد هارون في العام الذي كان فرعون لا يقتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل ونجاه الله جل وعلا في قصة معروفة لن نقف عندها طويلا لأنها شهيرة وقلنا إن هذا درس علمي محض .
موسى وهارون الأصل أن الله نبأ موسى وبعثه ثم إن موسى سأل الله تبارك وتعالى أن يجعل من أخيه هارون نبيا فاستجاب الله جل وعلا دعاءه ولهذا نعت الله جل وعلا موسى بقوله : { وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً } بعثهم الله جل وعلا إلى فرعون وملاءه { اذْهَبَاِ إِلَى فِرْعَوْنَ } وقال جل وعلا : { فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين } هذان موسى وهارون . هارون كان أفصح وموسى كان هو الأصل المخاطب به النبوة وهو أشد سكينة وحزما من أخيه وأعلم وأفضل جملة لأن الله جل وعلا فضل النبيين بعضهم على بعض وموسى معدود من ألو العزم من الرسل وكان هارون محببا في قومه أي في بني إسرائيل كانوا يحبونه جدا وقد جاء في رواية الإسراء والمعراج : ( فوجدت رجلا تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا ياجبريل؟ قال : هذا المحبب في قومه هارون بن عمران ) .
نعود إلى خبرهما ولنا معهما وقفات عليهما السلام:
الوقفة الأولى وقفة عقدية : ونحن في هذه الوقفات لا نلتزم بالأحداث التاريخية وإنما نلتزم بالوقفات بحسب أهميتها في الغالب فأولى الوقفات وقفة عقدية وهي أن الله جل وعلا وعد موسى ثلاثين ليلة فخرج من بني إسرائيل وقد جعل أخاه هارون عليهم { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } وخرج إلى الميقات الميقات كان زمانيا ومكانيا .
مكانيا : كان عند جبل الطور { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } . في الوادي المقدس {إ نِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } .
أما زمانيا : فكان أول الأمر ثلاثين يوما ثم مالبث أن أضحى أربعين بعد أن زاده الله عشرا . وجمهور المفسرين يقولون إن الثلاثين يوما كانت شهر ذي القعدة والعشرة أيام كانت الأوائل من ذي الحجة فيصبح بهذا أن الله كلم موسى الميقات الزماني يكون في يوم النحر يوم الحج الأكبر جاء موسى للميقات المكاني .
الله جل وعلا يقول : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ولا ريب أن تكليم الله لموسى فضل عظيم من الله لهذا العبد الصالح وهذا النبي المفضل وقد نص الله على هذا التكليم بقوله : { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } والله يقول هنا : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } فأضحى عليه السلام في معقل منيب ومنزل شريف ودرجة عالية فرغب وطمعت نفسه في مقام أعلى ألا هو مقام الرؤيا {قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } فكان الجواب الإلهي الرباني { لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ } .
هنا نقف الوقفة العقدية قال الله جل وعلا لموسى : { لَن تَرَانِي } استمسك بـ " لن " هذه النافية في كلام العرب استمسك بها المعتزلة فقالوا إن الله جل وعلا لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وممن حمل هذا اللواء من المشهورين منهم جار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف .
ونحن نجيب عن هذا الإشكال جوابا لغويا وجوابا شرعيا وكلاهما يدخل في عامة الجواب والرد عليه :
أما الجواب اللغوي: فإن حجتهم قول الله جل وعلا : { لَن تَرَانِي } فقالوا إن لن تعني النفي المؤبد في الدنيا والآخرة وهذا غير صحيح لأن الله جل وعلا ذكر اليهود وقال عنهم إنهم لا يتمنون الموت قال سبحانه : { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } ومع ذلك أخبر الله أن أهل النار واليهود قطعا منهم يتمنون الموت يوم القيامة فقال جل وعلا :{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } . وجه الدلالة يستفاد من هذا وجه الدلالة أن ليس كل نفي في الدنيا يشمل النفي في الآخرة هذا الجواب من حيث اللغة .
أما الجواب من حيث الأدلة النقلية: فإن القرآن والسنة كليهما دل على أن الله جل وعلا يراه عباده المؤمنون يوم القيامة بل إن الله جل وعلا لا تطيب الدنيا إلا بذكره ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه ولا تطيب الجنة إلا برؤيته ـ بلغنا الله وإياكم رؤيته في مقام كريم ـ فنقول دل الكتاب والسنة على أن الله جل وعلا يراه عباده المتقون يوم القيامة قال الله في القرآن : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }من النضرة جمال المحيا وطلاقته وبشاشته ونوره . { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } بالظاء أخت الطاء أي تنظر إلى الله.
والفعل " نظر " إما أن يتعدى بحرف وإما أن لا يتعدى بحرف تفصيل ذلك على التالي:
" نظر " من غير أن تتعدى تصبح بمعنى تهمل ومنه قول الله جل وعلا على لسان المنافقين { انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي تمهلوا علينا هذا من غير تعديها من غير حرف .
فإذا تعدت بحرف تتعدى بـ " في " وتتعدى بـ " إلى " .
فإذا تعدت بحرف الجر في فتعني التدبر تكلم أخاك في الهاتف تعرض عليه قضية ثم تقول له انظر في هذا الأمر الذي حدثتك فيه فهو لم يرى شيئا ولكن تقصد بقولك انظر في هذا الأمر أي تدبر فيه تفكر حتى أسمع منك جوابا ومنه قول الله جل وعلا : { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي أولم يتدبروا في ملكوت السموات والأرض .
وتتعدى أي نظر بحرف الجر إلى فإذا تعدت بحرف الجر إلى عمت الرؤية البصرية نظرت إلى الشجرة نظرت إلى الدار نظرت إلى أخي ومنه قول الله جل وعلا هنا في سورة القيامة : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وهذا جلي واضح .
ومن السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث صهيب عند مسلم في الصحيح : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وجوهنا ألم يجرنا من النار فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى ) . فالإنسان أحيانا يكون في سفر فيغلب عليه الشوق إلى من يحب أمه أبوه زوجته أبناؤه جيرانه ابنته ابنه الوحيد ابنته الوحيدة هذا يشعر به كل إنسان جبل على الفطرة وعندما يعود فيمتع ناظره بمن يحب كم يجد في نفسه من الفرحة فكيف إذا متع العبد المؤمن برؤية وجه الله تبارك وتعالى العلي الأعلى الذي لا اسم أعظم من اسمه ولا وجه أكرم من وجه ولا عطية أسخى وأحسن وأكمل من عطيته جل وعلا ـ بلغنا الله وإياكم ـ فنعود فنقول هذا الوقفة العقدية الأولى وقال عليه الصلاة والسلام كذلك : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون البدر لا تضامون في رؤيته ) هذه الوقفة العقدية .