إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فإننا نستعين الله جل وعلا في تفسير كلامه جل وعلا كرةً أخرى وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى سورة الأعراف وسنشرع اليوم إن شاء الله في تفسير سورة الأنفال على أننا قبل أن نشرع فيها نذكر ببعض مما كنا قد تأملناه حول سورة الأعراف التي تمت دراستها .
وكنا قد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الله جل وعلا ذكر ثلة من أنبيائه ورسله بسورة الأعراف بدأ بنوح وانتهاءً بموسى عليهم السلام ووقفنا عند اثنين منهم هما لوط وموسى عليهم الصلاة السلام وذكرنا عن قوم لوط أن الفطرة انتكست عندهم فكانوا يأتون الذكران من العالمين ولذلك لم يكن بينهم وبين رسولهم أخذ ولا عطاء فإن الله جل وعلا ذكر أن الأنبياء أخذوا وأعطوا وتحاوروا مع من بعثوا إليهم من الأمم فقوم ثمود قالوا لصالح :{قدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} قالوا لصالح { قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا} . وقال قوم شعيب لشعيب كذلك قريباً منه. إلى غير ذلك مما ذكره الله من محاورات الرسل لأممهم وأما قوم لوط لما انتكست الفطرة عندهم، لم يكن لديهم عقل يحاورون من خلاله قال الله عنهم أنهم قالوا:{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[الأعراف : 82] فعاملهم الله جل وعلا بالمثل قال الله تبارك وتعالى :{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} [هود : 82] وهذه الآية في هود ثم ذكرنا بعضاً من خبر نبي الله موسى مع فرعون وآله أو فرعون وملئه .
وذكرنا أن الله جل وعلا قال عنهم : { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ *فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ } فهذه خمس آيات ، وقال قبلها جل وعلا:{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ} هذه اثنتان و الخمس سبع وبقيت اثنتان هما العصا واليد فهذه تسع آيات التي قال الله جل وعلا عنها أنه بعث بها موسى إلى فرعون وملئه والقرءان ينظر إليه جملة واحدة ويفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضا فكله كلام رب العالمين جل جلاله.
كما ذكرنا أن قول ربنا جل وعلا: {فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } أن كلاً من كلمتي { آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } أعطت معنى فقلنا إن كلمة { آيَاتٍ } دلت على أمر خارج عن المألوف لأن الجراد والقمل والضفادع يوجد في كل زمان ومكان لكن الله جل وعلا جعل وجودها في زمن موسى آية له خارجة عن المألوف .
وقوله تبارك وتعالى { مُّفَصَّلاَتٍ } يدل على أنها كانت لم تكن جملة واحدة وإنما كانت يتبع بعضها بعضا وكان بينهم مرحلة زمنيه .
ثم قلنا إن الله جل وعلا قال : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } وقلنا أن القاعدة في ذكر الأيام والليالي أن الأيام تحسب بها المنافع الدنيوية فالمزارعون مثلا إنما يحصدون بناء على البروج الشمسية وليس لهم علاقة بالأهلة وأما الأهلة والليالي فإنما يحسب بها المناسك الدينية قال الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وهذه قلنا فيها فائدة كبرى أن يعرف الإنسان أن ما يتعلق بالأيام فيه المنافع الدنيوية وما يتعلق بالليالي فيه المنافع والمناسك الدينية .
ثم قلنا إن الرب تبارك وتعالى قال : {وقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}. فذكرنا أنه كان هناك ميقاتان: ميقات مكاني وميقات زماني .
فالميقات المكاني: الوادي المقدس أو بتعبير أقرب جبل الطور قال الله جل وعلا في القصص :{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } .
فجبل الطور هو : الجبل الذي كلم الله عنده موسى مرتين :
المرة الأولى : في أول أيام الوحي . والمرة الثانية: في وقت الميقات الذي وعده الله جل وعلا إياه هذا هو الميقات المكاني.
أما الميقات الزماني : فإن الله كلم عبده موسى بن عمران بعد أربعين يوم . وافق يوم عشر ذي الحجة . فإن الله وعده ثلاثين يوماً عند جماهير العلماء هي ثلاثين شهر ذي القعدة ثم زاده الله عشراً قال الله جل وعلا :{ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} فاليوم الأربعون هو اليوم العاشر من ذي الحجة المتمم لثلاثين ذي القعدة وعشرذي الحجة .
ثم قلنا :{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ }رغب عليه السلام في مقام الرؤيا بعد أن أعطي مقام التكليم , طمع عليه السلام في مقام الرؤيا فقال الله جل وعلا له : {لَن تَرَانِي} وقلنا إن رؤية العبد المؤمن للرب جل وعلا تكلمنا عنها دنيويا في الدنيا وفي الآخرة.
وقلنا يحرر الخطاب على أنه يقال:
أن رؤية الله جل وعلا في الدنيا جائزة عقلاً ممتنعة شرعاً .
ومعنى قولنا جائزة عقلاً: أنه يمكن بقدرة الله أن يعطي الله عباده قدره على أن يروا ربهم في الدنيا لأن الله على كل شيء قدير فهذا لا ينافي العقل لكن الله أخبر في كتابه أن هذا لن يقع إذ قال لكليمه موسى : {لَن تَرَانِي} فقلنا إنها وإن كانت جائزة عقلاً إلا أنها ممتنعة شرعاً هذا في الدنيا .
أما في الآخرة : فقد قلنا ما دامت جائزة عقلاً في الدنيا فمن باب أولى أن تكون جائزة عقلاً في الآخرة لأن الأبصار في الآخرة أقوى منها في الدنيا قال الله جل وعلا : {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ولكننا قلنا : إنها في الدنيا ممتنعة شرعاً ونقول في الآخرة واقعة شرعاً للمؤمنين في الجنة وقد نص القرآن والسنة على هذا قال الله جل وعلا في سورة القيامة :{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} بالضاد أخت الصاد والمعنى تعلوها النضرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي تبصر ربها من غير إحاطة لأن الله يقول: { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 103] فالله جل وعلا لا يدركه بصر خلقه على هذا ما تحرر. وقلنا : إن من العلماء من قال إنها ممتنعة في الدنيا والآخرة وهذا قول المعتزلة وقلنا نص عليه جار الله الزمخشري في تفسيره المشهور باسمه: تفسير الكشاف فإنه قال إن العباد لايرون ربهم لافي الدنيا ولافي الآخرة واحتج بحرف النفي " لن ".
وقلنا الجواب العلمي أن يقال:
أن الله جل وعلا قال عن اليهود أنهم لا يتمنون الموت فقال عنهم :{ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي الموت ومع ذلك قال الله عن أهل النار واليهود قطعاً من أهل النار قال : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} فيتمنون الموت فدل على أن " لن " هنا تجري على أحكام الدنيا لا تجري على أحكام الآخرة ثم إن النصوص الصريحة في رؤية المؤمنين لوجه ربهم لا يمكن تأويلها ولا دفعها بحال في رؤية وجه ربهم تبارك وتعالى منها آية القيامة التي مرت معنا ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغير هما ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) منَّ الله علينا وعليكم برؤية وجهه الكريم .
ثم قلنا بعد ذلك إن الله جل وعلا قال لموسى عليه السلام : {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف : 144] . وقلنا إن هذه الكلمة {عَلَى النَّاسِ} ليست على إطلاقها وإن من الآلة العلمية في تفسير كلام الله أن يكون الإنسان مطلعاً على اللغة مطلعاً على الأحاديث مطلعاً على التاريخ فقول الله جل وعلا لموسى : {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} لا يمكن أن تكون على إطلاقها لعموم الناس لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى بالاتفاق فموسى عليه السلام أفضل أهل زمانه أما من قبله فإبراهيم أفضل من موسى بل إن موسى من ذرية إبراهيم وجميع الأنبياء الذين من بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم باستثناء لوط على الخلاف أنه ابن أخيه لأن الله قال : {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } فما بعث نبي من الأنبياء كما بينا هذا في غير درس ولا أُنزل كتاب من السماء إلا على رجل من ذرية إبراهيم المقصود أن موسى عليه السلام أفضل أهل زمانه لكنه ليس أفضل من كان من قبل فإبراهيم أفضل منه ولا أفضل من بعد لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم .
هذا ما انتهينا إليه حول سورة الأعراف ونشرع اليوم إن إنشاء الله تعالى في تأمل خمس آيات من سورة الأنفال وقد جرت العادة أننا نقدم للسورة بأكملها قبل أن نشرع في تفسيرها .
سورة الأنفال :
سورة مدنية ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : " إن قول الله جل وعلا: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ }هذه مكيه " والله أعلم .
لكن السورة في جملتها سورة مدنية وهي من أوائل السور المدنية التي نزلت . ومن أواخر السور المدنية سورة التوبة. وكلتا السورتين عنيتا بالغزوات بالذات سورة الأنفال .
فسورة الأنفال تكلمت عن بدر ولذلك يقولوا بعض العلماء إنها سورة " مدنية بدرية " أما سورة التوبة فتكلمت عن غزوة تبوك وجيش العسرة وهذا كان في السنة التاسعة والنبي صلى الله عليه وسلم مات في العاشرة على هذا فسورة التوبة من آخر ما نزلَ جملة من السور المدنية .
وحتى نفقهه السورة هذه السورة نزلت بعد اختصام المسلمين في غنائم بدر وحتى تكون أنت في إطار علمي حول السورة النبي عليه الصلاة والسلام خرج بأصحابه إلى بدر وكان أول أمره يريد عير قريش وقال لأصحابه: ( لعل الله أن ينفيكموها ) أي يهبها لكم , فلما نجا أبو سفيان بالعير وجاءت قريش تحاد الله ورسوله التقى الجمعان في يوم الفرقان في بدر في الموضع المعروف ما بين مكة والمدينة . وهو إلى المدينة أقرب، وقعت المعركة وهي أول معركة وقعت في الإسلام يمكن أن تطلق عليها غزوة بالمعنى الحقيقي وكان قبلها بدر الصغرى لكن لم يقع فيها قتال ووقعت تلك المعركة وأعلا الله فيها كلمة الإسلام ونصر الله جل وعلا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ورد الله القرشيين ردهم على أدبارهم فغنم المسلمون غنائم .
هذه الغنائم أن الجيش في آخر الغزوة انقسم إلى ثلاث أقسام :
* قسم أخذ يحرس النبي صلى الله عليه وسلم خوفا عليه أن يأتيه أحد من المشركين.
* وقسم أخذ يجهز على من بقي ويتبع فلول أهل الإشراك.
* وقسم أخذ يجمع الغنائم .
فلما انتهى الأمر ووقع من وقع من القرشيين في الأسر وقتل منهم من قتل وفر منهم من فر انقضت الحرب ووضعت الحرب أوزارها , اختصم المسلمون في الغنائم من يأخذها هل أولى بها من حرس النبي عليه الصلاة والسلام أو من جمعها أو من تبع فلول أهل الإشراك .
فإننا نستعين الله جل وعلا في تفسير كلامه جل وعلا كرةً أخرى وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى سورة الأعراف وسنشرع اليوم إن شاء الله في تفسير سورة الأنفال على أننا قبل أن نشرع فيها نذكر ببعض مما كنا قد تأملناه حول سورة الأعراف التي تمت دراستها .
وكنا قد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الله جل وعلا ذكر ثلة من أنبيائه ورسله بسورة الأعراف بدأ بنوح وانتهاءً بموسى عليهم السلام ووقفنا عند اثنين منهم هما لوط وموسى عليهم الصلاة السلام وذكرنا عن قوم لوط أن الفطرة انتكست عندهم فكانوا يأتون الذكران من العالمين ولذلك لم يكن بينهم وبين رسولهم أخذ ولا عطاء فإن الله جل وعلا ذكر أن الأنبياء أخذوا وأعطوا وتحاوروا مع من بعثوا إليهم من الأمم فقوم ثمود قالوا لصالح :{قدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} قالوا لصالح { قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا} . وقال قوم شعيب لشعيب كذلك قريباً منه. إلى غير ذلك مما ذكره الله من محاورات الرسل لأممهم وأما قوم لوط لما انتكست الفطرة عندهم، لم يكن لديهم عقل يحاورون من خلاله قال الله عنهم أنهم قالوا:{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[الأعراف : 82] فعاملهم الله جل وعلا بالمثل قال الله تبارك وتعالى :{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} [هود : 82] وهذه الآية في هود ثم ذكرنا بعضاً من خبر نبي الله موسى مع فرعون وآله أو فرعون وملئه .
وذكرنا أن الله جل وعلا قال عنهم : { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ *فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ } فهذه خمس آيات ، وقال قبلها جل وعلا:{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ} هذه اثنتان و الخمس سبع وبقيت اثنتان هما العصا واليد فهذه تسع آيات التي قال الله جل وعلا عنها أنه بعث بها موسى إلى فرعون وملئه والقرءان ينظر إليه جملة واحدة ويفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضا فكله كلام رب العالمين جل جلاله.
كما ذكرنا أن قول ربنا جل وعلا: {فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } أن كلاً من كلمتي { آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } أعطت معنى فقلنا إن كلمة { آيَاتٍ } دلت على أمر خارج عن المألوف لأن الجراد والقمل والضفادع يوجد في كل زمان ومكان لكن الله جل وعلا جعل وجودها في زمن موسى آية له خارجة عن المألوف .
وقوله تبارك وتعالى { مُّفَصَّلاَتٍ } يدل على أنها كانت لم تكن جملة واحدة وإنما كانت يتبع بعضها بعضا وكان بينهم مرحلة زمنيه .
ثم قلنا إن الله جل وعلا قال : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } وقلنا أن القاعدة في ذكر الأيام والليالي أن الأيام تحسب بها المنافع الدنيوية فالمزارعون مثلا إنما يحصدون بناء على البروج الشمسية وليس لهم علاقة بالأهلة وأما الأهلة والليالي فإنما يحسب بها المناسك الدينية قال الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وهذه قلنا فيها فائدة كبرى أن يعرف الإنسان أن ما يتعلق بالأيام فيه المنافع الدنيوية وما يتعلق بالليالي فيه المنافع والمناسك الدينية .
ثم قلنا إن الرب تبارك وتعالى قال : {وقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}. فذكرنا أنه كان هناك ميقاتان: ميقات مكاني وميقات زماني .
فالميقات المكاني: الوادي المقدس أو بتعبير أقرب جبل الطور قال الله جل وعلا في القصص :{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } .
فجبل الطور هو : الجبل الذي كلم الله عنده موسى مرتين :
المرة الأولى : في أول أيام الوحي . والمرة الثانية: في وقت الميقات الذي وعده الله جل وعلا إياه هذا هو الميقات المكاني.
أما الميقات الزماني : فإن الله كلم عبده موسى بن عمران بعد أربعين يوم . وافق يوم عشر ذي الحجة . فإن الله وعده ثلاثين يوماً عند جماهير العلماء هي ثلاثين شهر ذي القعدة ثم زاده الله عشراً قال الله جل وعلا :{ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} فاليوم الأربعون هو اليوم العاشر من ذي الحجة المتمم لثلاثين ذي القعدة وعشرذي الحجة .
ثم قلنا :{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ }رغب عليه السلام في مقام الرؤيا بعد أن أعطي مقام التكليم , طمع عليه السلام في مقام الرؤيا فقال الله جل وعلا له : {لَن تَرَانِي} وقلنا إن رؤية العبد المؤمن للرب جل وعلا تكلمنا عنها دنيويا في الدنيا وفي الآخرة.
وقلنا يحرر الخطاب على أنه يقال:
أن رؤية الله جل وعلا في الدنيا جائزة عقلاً ممتنعة شرعاً .
ومعنى قولنا جائزة عقلاً: أنه يمكن بقدرة الله أن يعطي الله عباده قدره على أن يروا ربهم في الدنيا لأن الله على كل شيء قدير فهذا لا ينافي العقل لكن الله أخبر في كتابه أن هذا لن يقع إذ قال لكليمه موسى : {لَن تَرَانِي} فقلنا إنها وإن كانت جائزة عقلاً إلا أنها ممتنعة شرعاً هذا في الدنيا .
أما في الآخرة : فقد قلنا ما دامت جائزة عقلاً في الدنيا فمن باب أولى أن تكون جائزة عقلاً في الآخرة لأن الأبصار في الآخرة أقوى منها في الدنيا قال الله جل وعلا : {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ولكننا قلنا : إنها في الدنيا ممتنعة شرعاً ونقول في الآخرة واقعة شرعاً للمؤمنين في الجنة وقد نص القرآن والسنة على هذا قال الله جل وعلا في سورة القيامة :{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} بالضاد أخت الصاد والمعنى تعلوها النضرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي تبصر ربها من غير إحاطة لأن الله يقول: { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 103] فالله جل وعلا لا يدركه بصر خلقه على هذا ما تحرر. وقلنا : إن من العلماء من قال إنها ممتنعة في الدنيا والآخرة وهذا قول المعتزلة وقلنا نص عليه جار الله الزمخشري في تفسيره المشهور باسمه: تفسير الكشاف فإنه قال إن العباد لايرون ربهم لافي الدنيا ولافي الآخرة واحتج بحرف النفي " لن ".
وقلنا الجواب العلمي أن يقال:
أن الله جل وعلا قال عن اليهود أنهم لا يتمنون الموت فقال عنهم :{ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي الموت ومع ذلك قال الله عن أهل النار واليهود قطعاً من أهل النار قال : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} فيتمنون الموت فدل على أن " لن " هنا تجري على أحكام الدنيا لا تجري على أحكام الآخرة ثم إن النصوص الصريحة في رؤية المؤمنين لوجه ربهم لا يمكن تأويلها ولا دفعها بحال في رؤية وجه ربهم تبارك وتعالى منها آية القيامة التي مرت معنا ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغير هما ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) منَّ الله علينا وعليكم برؤية وجهه الكريم .
ثم قلنا بعد ذلك إن الله جل وعلا قال لموسى عليه السلام : {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف : 144] . وقلنا إن هذه الكلمة {عَلَى النَّاسِ} ليست على إطلاقها وإن من الآلة العلمية في تفسير كلام الله أن يكون الإنسان مطلعاً على اللغة مطلعاً على الأحاديث مطلعاً على التاريخ فقول الله جل وعلا لموسى : {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} لا يمكن أن تكون على إطلاقها لعموم الناس لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى بالاتفاق فموسى عليه السلام أفضل أهل زمانه أما من قبله فإبراهيم أفضل من موسى بل إن موسى من ذرية إبراهيم وجميع الأنبياء الذين من بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم باستثناء لوط على الخلاف أنه ابن أخيه لأن الله قال : {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } فما بعث نبي من الأنبياء كما بينا هذا في غير درس ولا أُنزل كتاب من السماء إلا على رجل من ذرية إبراهيم المقصود أن موسى عليه السلام أفضل أهل زمانه لكنه ليس أفضل من كان من قبل فإبراهيم أفضل منه ولا أفضل من بعد لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم .
هذا ما انتهينا إليه حول سورة الأعراف ونشرع اليوم إن إنشاء الله تعالى في تأمل خمس آيات من سورة الأنفال وقد جرت العادة أننا نقدم للسورة بأكملها قبل أن نشرع في تفسيرها .
سورة الأنفال :
سورة مدنية ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : " إن قول الله جل وعلا: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ }هذه مكيه " والله أعلم .
لكن السورة في جملتها سورة مدنية وهي من أوائل السور المدنية التي نزلت . ومن أواخر السور المدنية سورة التوبة. وكلتا السورتين عنيتا بالغزوات بالذات سورة الأنفال .
فسورة الأنفال تكلمت عن بدر ولذلك يقولوا بعض العلماء إنها سورة " مدنية بدرية " أما سورة التوبة فتكلمت عن غزوة تبوك وجيش العسرة وهذا كان في السنة التاسعة والنبي صلى الله عليه وسلم مات في العاشرة على هذا فسورة التوبة من آخر ما نزلَ جملة من السور المدنية .
وحتى نفقهه السورة هذه السورة نزلت بعد اختصام المسلمين في غنائم بدر وحتى تكون أنت في إطار علمي حول السورة النبي عليه الصلاة والسلام خرج بأصحابه إلى بدر وكان أول أمره يريد عير قريش وقال لأصحابه: ( لعل الله أن ينفيكموها ) أي يهبها لكم , فلما نجا أبو سفيان بالعير وجاءت قريش تحاد الله ورسوله التقى الجمعان في يوم الفرقان في بدر في الموضع المعروف ما بين مكة والمدينة . وهو إلى المدينة أقرب، وقعت المعركة وهي أول معركة وقعت في الإسلام يمكن أن تطلق عليها غزوة بالمعنى الحقيقي وكان قبلها بدر الصغرى لكن لم يقع فيها قتال ووقعت تلك المعركة وأعلا الله فيها كلمة الإسلام ونصر الله جل وعلا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ورد الله القرشيين ردهم على أدبارهم فغنم المسلمون غنائم .
هذه الغنائم أن الجيش في آخر الغزوة انقسم إلى ثلاث أقسام :
* قسم أخذ يحرس النبي صلى الله عليه وسلم خوفا عليه أن يأتيه أحد من المشركين.
* وقسم أخذ يجهز على من بقي ويتبع فلول أهل الإشراك.
* وقسم أخذ يجمع الغنائم .
فلما انتهى الأمر ووقع من وقع من القرشيين في الأسر وقتل منهم من قتل وفر منهم من فر انقضت الحرب ووضعت الحرب أوزارها , اختصم المسلمون في الغنائم من يأخذها هل أولى بها من حرس النبي عليه الصلاة والسلام أو من جمعها أو من تبع فلول أهل الإشراك .