صورة لأحد المسلمين وهو يقرأ القرآن في المسجد
من خصائص الدين الإسلامي ومميزاته الأساسية بقائه ما دامت السماوات والأرض، وظهوره على جميع الأديان، قال تعالى
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } [1] قال السعدي رحمه الله تعالى
( أي ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم... ) [2]،
فبمرور الدهور والعصور يظهر صدق تعاليم الإسلام، فتتجلى للناس صحة عقائده، وعدالة أحكامه، وصدق أخباره.
ومقومات بقاء الإسلام وظهوره على جميع الأديان في نظري أربعة أمور وهي :
أولا : حفظ مصادر الدين الأصلية.
حيث تولى الله تعالى بفضله ورحمته حفظ المصادر الأصلية لتلقي عقائد الإسلام وأحكامه، قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون } [3]
فمنذ نزول القرآن إلى أن يرفع من صدور الرجال في آخر الزمان لن ينقص منه حرف واحد، ولا تزال الأمم على اختلاف ألوانها وألسنتها،
وتباعد ديارها وتنوع ثقافاتها، تهتدي بهديها وتستنير بنورها، فيبصرها القرآن من العمي ويحييها من الموات، ويكون لها نورا تمشي به في الظلمات قال تعالى
{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد }.[4]
وتجدر الإشارة هنا إلى مسألة ذات أهمية بالغة ألا وهي كون حفظ القرآن الكريم يستلزم حفظ السنة بالجملة، ذلك لأن السنة هي المبينة والمفسرة للقرآن قال تعالى
{ وأنزلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [5]، وحفظ المبين يستلزم حفظ المبين، وقد تحقق حفظ السنة بما قيض الله من علماء جهابذة سهروا على تمييز الصحيح
من السقيم مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لم يفت الأمة شيء مما تحتاج إليه من أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته وصفاته صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
وحق للقرآن الكريم هذا الحفظ والبقاء، فهو آخر كلمات السماء إلى أهل الأرض، و حجة الله على جميع خلقه، أصلح أمر الأمة العربية وهي في منتهى الأمية
و غاية البداوة، وبه يصلح كذلك أمر من أخذ به من سائر الأمم مهما بلغ من تقدم وحضارة، فلن تتجاوز حروفه حضارة، ولا تخرج على حدوده أمة.
ثانيا: بقاء طائفة من الأمة على الحق منصورة.
يناسب حفظ المصادر الشرعية من التبديل والتحريف، وجود طائفة تجسد ما تدعو إليه تلك المصادر من شعائر وشرائع في واقع الحياة،
لأن بقاء حروف تلك المصادر مع هجر حدوده وتعطيل أحكامه لا يعني شيئا كبيرا، ولذلك كان من مقومات ظهور الإسلام بقاء طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
على الحق علما وعملا، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم إلى يوم القيامة، يقطع الله بهم حجة كل جيل من البشر ترك شيئا من دين الله بدعوى تغير المكان أو تبدل الزمان، قال صلى الله عليه وسلم
( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ) [6].
وقد تنازعت الطوائف الإسلامية هذا الوصف من قبل ولم تزل، واشتغلت كل طائفة بحشد الأدلة والبراهين العلمية والعملية للاستفراد بلقب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة،
وخير من حدد الطائفة المنصورة من الشراح هو الإمام النووي رحمه الله حيث يقول رحمه الله
( وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَة فَقَالَ الْبُخَارِيّ : هُمْ أَهْل الْعِلْم، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَد أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، وَمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب أَهْل الْحَدِيث، قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَة مُفَرَّقَة بَيْن أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَان مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُمْ فُقَهَاء، وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُمْ زُهَّاد وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر، وَمِنْهُمْ أَهْل أَنْوَاع أُخْرَى مِنْ الْخَيْر، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَار الْأَرْض ) [7].
ثالثا: دورات تجديد وصيانة للدين في رأس كل قرن.
فقد صحت البشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدورات تجديد وصيانة للدين على رأس كل مائة سنة، وذلك بتجديد الفهم والتصور،
وتصحيح العمل والتطبيق، وبيان ما أحدث في الشرع من زيادة أو نقصان، قال صلى الله عليه وسلم
( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) [8]، والمعنى الصحيح للتجديد الشرعي هو
( إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والعمل بمقتضاهما ) [9]، وهذه العملية قد تتم بجهد فردي وعلى يد مصلح كبير، كما قد تكون بتضافر جهود إصلاحية متكاملة،
فيجدد هذا في المجال الفكري وهذا في المجال العملي، وهكذا في كل مجال يحتاج إلى تجديد وإصلاح.
وليس من شروط المجدد أن يكون معصوما من الأخطاء العلمية أو العملية، ولا أن يكون جهوده التجديدية كلها موضع قبول من جميع معاصريه أو اللاحقين به من العلماء والمجتهدين،
وأي اشتراط من هذا النوع يسوي المجدد بالنبي المرسل ويجعل آرائه كالوحي
صورة لحشد كبير من المسلمين في صلاة الجمعة في أحد المساجد الأندونسية
صورة لمسجد بني بمدينة أمستردام
صورة لمسجد مبني في الولايات المتحدة لأمريكية-ولاية فرجينياا
رابعاً : البشارة النبوية ببلوغ الدين ما بلغ الليل والنهار.
إذا كان الله تعالى قد ضمن حفظ المصادر الشرعية للإسلام، وأبقى طائفة من الأمة على الحق ظاهرة إلى يوم القيامة،
وتكفل ببعث من يجدد للأمة دينها على رأس كل مائة سنة، فإنه عز وجل قد قضى بأن دين الإسلام سيبلغ ما بلغ الليل والنهار،
وأن ملكه سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، فعن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
( ليبلغ هذا الأمر مبلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، يعز بعز الله في الإسلام، ويذل به في الكفر ) [10] ،
ولهذا لم يعد خبر الإسلام سرا على أحد من البشر، ولا شعائره و شرائعه بغريبة في أي مكان من العالم، وذلك بفضل الله تعالى أولا،
ثم بسياحة الدعاة المخلصين في الأرض وسعيهم لنشر الإسلام في أرجاء المعمورة، ومع انفجار الثورة المعلوماتية في هذا العصر دخل الإسلام كل بيت،
إما عن طريق قنوات فضائية، أو مواقع إلكترونية أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة.
بقلم :
انجوغو مبكي صمب
داعية وباحث سنغالي
****
[1] سورة التوبة الآية 33
[2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 335
[3] سورة الحجر الآية 9
[4] سورة فصلت الآية 42
[6] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[7] النووي، شرح صحيح مسلم 13 / 67
[8] رواه أبو داود وغيره
[9] عون المعبود 11 / 260
[10] أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه