[]البسملة
د. عبد الرحيم شئت ثاني(*)
• تعريف الدعوة: الدعوة: مصدر الفعل الثلاثي دعا يدعو دَعوة، بفتح الدَّال، وقد وردت في اللغة العربية لمعانٍ كثيرة كلها تدور حول: السؤال، والطلب، والنداء، والدعاء، والاستمالة، والتجـمـع، إلا أنـها إذا تعدت بـ «إلى» تحدد معناهـا بالحــث عـلى الشـيء، أو سوقه إليه، تقول: دعاه إلى ديـن أو مـذهـب، أي: حـثه علـيه، ودعـاه إلى الأمـيـر، أي: ساقه إليه[1]. وتطلق الدعوة على الدعاء إلى أي قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها، سواء أكانت حقاً أم باطلاً. والأصل في مفهوم الدعوة أنه يعتمد على البيان والكلام. قال أحمد بن فارس: «الدعـوة أن تميل الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك»[2]. وقد أورد العلماء في تحديد المفهوم الاصطلاحي للدعوة تعاريـف كثيرة، تعددت أساليبها وتنوعت، إلا أنها تتوحد في مراميها ودلالاتها، وسنقتصر على تعريفين نراهما أقرب إلى وظيفة الداعية، وأكثر شمولية لمهمته: 1 ـ الدعوة هي: «تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة»[3]. 2 ـ الدعوة هي: «إبلاغ الناس دعوة الإسلام في كل زمان ومكان، بالأساليب والوسائل التي تتناسب مع أحوال المدعوين»[4]. وغــنــي عـــن الذكـــر أن مضـــمـار الدعــوة إلـى اللــه ـ تعالى ـ هـو المضـمار الذي تتسـابق إليه النفوس الطـمـوحة، وتتنـافس العقول الواعية المفكرة لخوضه وكـسـب قصـب الســبـق فـيـه؛ لأنـه سُـلَّمُ النــهـوض بالأمـة الإسـلامية مـن سـباتها العـمـيق، ومشـهـدها الدامــي الحزيـن، والداعـية هـو المبـلغ لـهــذه الدعـوة، وهـو البـطـل الذي سيـنـقـذ الأمـة مـن الغـوايـة إلى الهـداية، وحـداؤه في برنامجه الدعوي: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِـحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]؛ ليحوز الخيرية «لأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»[5]. • حكم الدعوة إلى الله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «والدعوة إلى الله واجبة على من اتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وهم أمته. وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة، وهو فــرض كــفاية، يسقط عن البعض بالبعـض، كقوله ـ تعالــــى ـ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ} [آل عمران: 104]»[6]. وقــد أوضــــح الشــــيخ عبــد العزيــز بن باز ـ رحمه الله ـ هذا بقوله: «صرَّح العلماء أن الدعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإنَّ كلّ قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة، وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحاً جليلاً. وعند قلة الدعاة، وعنــد كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل ـ كحالنا اليوم ـ تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته، وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعيّن بالدعوة على التمام صار الإثم عاماً، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقتــه وإمكــانه. أما بالنظر إلى عموم البلاد؛ فالواجب أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله ـ عزَّ وجل ـ بالطرق الممكنة»[7]. • وظيفة الداعية: انطلاقاً من تعريف الدعوة فإن الوظيفة الأساسية للدعاة هي تبليغ الناس، وإرشادهم إلى الطريق التي سلكها أنبياء الله ورسله، وهي إثبات وجود الله ـ عزَّ وجل ـ وإفراده بالعبادة، قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وجوهر هذه الوظيفة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي رسالة عظيمة ووظيفة سامية لارتباطها بأشرف الخلق على الأرض؛ وهم الأنبياء والرسل منذ آدم ـ عليه السلام ـ حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. فمهمة الدعاة الأولى هي التبليغ ودعوة الناس إلى هدي الله، وهذه المهمة العظيمة لا بد أن يرافقها وعي دائم ومتجدد بحاجات الناس، وتغيّر أساليب مخاطبتهم. وقد أوضح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كيفية قيام الداعية بهذه الوظيفة في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان»[8]. ونظرة دقيقة في فحوى هذا الحديث تكشف مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يلي: 1 ـ التعرف على المنكر، والتأكد أنَّ هناك منكراً. 2 ـ التعريف بالمنكر؛ فقد يرتكب بعض الناس المنكر عن جهل بأنه منكر؛ وقد يكفي تعريفهم به لكي ينتهوا. 3 ـ الوعظ والنصح والتخويف بالله. 4 ـ التعنيف بالقول الغليظ. 5 ـ إزالة المنكر باليد، وذلك إذا كانت سلطة إزالة المنكر بيد الداعية، ويكون بمعاقبة أصحابها، وبرفع المنكر وكسره. ويجب على الداعية أن يحافظ في جميع هذه المراتب على مبدأ (اليسر والتبشير) ومجانبة (العسر والتنفير)، فقد اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً ومعه أبا موسى الأشعري؛ لتبليغ الدعوة ونشرها في اليمن، وأوصاهما في مهمتهما الجلـيلـة، فـقـال: «يسِّـــرا ولا تعــسِّرا، وبشِّــــرا ولا تنفِّرا»[9]. واليسر والبشارة أو العسر والتنفير ليسا من الأمور النظرية المجردة، وإنما هما مرتبطان بواقع الأحكام والدعوة في المجتمع وبين الناس؛ فمَنْ جهل طبيعة الواقع، أو تجاهل أحوال الناس، لم يدرِ هل يسَّر عليهم أم عسَّر؟ وهل نفَّرهم عن الدعوة أم حبَّبهم إليها؟ فضلاً عن متى يكون التكليف يسراً في الواقع، ومتى يكون عسراً؟ |
عدل سابقا من قبل hassntv في الخميس 10 يوليو - 6:48 عدل 5 مرات