أود أن أبين للإخوة القراء :أني لم أغير موفقي، وأني ما زلت مصرا على كل كلمة قلتها، ونقدت فيها البنوك الإسلامية، وهي مني، وأنا منها، فقد عايشتها قبل أن تولد، حين كانت فكرة في بعض الرؤوس، وحلما يراود بعض النفوس ، وسعيت مع الساعين بالقول وبالفعل حتى قامت، وظللت أسددها وأساندها منذ قيامها حتى اليوم. وكنت رئيسا لهيئة الرقابة الشرعية لأكثر من سبعة مصارف إسلامية، وشاركت في كل المؤسسات المؤيدة والمشددة للمصارف الإسلامية،من مجلس المعايير، وهيئة المحاسبة العامة و غيرها. فإذا نقدت البنوك الإسلامية ، فإنما أنقدها من منطلق الحرص عليها ، والخوف على مسيرتها ،لا من منطلق التربص بها، والعداوة لها. و قد قال لي بعض الأصدقاء: أن كلمتك كانت شديدة بل قاسية. وقلت لهم: أني شّددت على المصارف الإسلامية، كما يشدد الوالد على ولده وفلذة كبده إذا خشي عليه أن تزل قدمه، فيسقط في حفرة، أو يحل به خطر، وهو لا يدري، فهو يصيح به صيحة مدوية ليتنبه من غفلته، ويحذر من الوقوع في الخطر، وقد قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم إني معروف منذ بدء حياتي العلمية والتأليفية بالتيسير لا التعسير، وبالتبشير لا التنفير، ولست من المتزمتين ولا المتنطعين بحال من الأحوال، ولكن التيسير شيء، والتحايل على المحرمات شيء آخر،وهذا ما حذّرت منه البنوك الإسلامية، تحذير الناصح الأمين،وقد قال الحكماء من قديم:صديقك من صدَقك لا من صدّقك! على إني إذا وجدت التيسير الشرعي المنضبط لا أرفضه، ولذا حين عرض علي بعض الإخوة بعض الحلول التي تعين على تمويل من يرغب في الاكتتاب في مصرف الريان، قبلت منها ما كان موافقا لمقاصد الشرع ونصوصه،(مثل المشاركة مع البنك الإسلامي) إذا وضعت في صيغة مقبولة وفق الضوابط الشرعية، و الأصول المرعية، بحيث تعطي كلا من الشريكين حقه، ولا تجور على أحكام الشرع، ولا على حقوق الخلق. ونظّم ذلك عقد يفصّل الأحكام ويوضّح الحدود. ولكني رفضت حل(التورق) بكل صوره،فليس هناك تورق منضبط أو غير منضبط، فالتو رق إذا دخل العمل المصرفي كان له من الآثار السلبية ما يعلمه أولو البصائر الأمناء ، وقد شاهدنا ذلك بأعيننا ( وإنما أجزت التورق في موقف آخر لضرورة معينة فينبغي أن تقدر بقدرها). ومثل ذلك الحل الذي يوكل فيه العميل ليشتري الأسهم وكيلا عن البنك، ثم يتنازل البنك للعميل عن الأسهم بمقابل يتفقان عليه، فهذه صورة مرفوضة، وهي أقرب إلى الهزل منها إلى الجد. لقد قبلت أسلوب المشاركة من باب الرخصة والتوسعة، لمن كانت له حاجة إلى الاكتتاب ولم يكن له طريق غير ذلك، لأني لا أحب التضييق فيما فيه وجه للسعة، ومع هذا فمن كان من أهل الورع والتحري، فليأخذ بالعزيمة ، ويدع ما يريبه إلى مالا يريبه ، وخصوصا إذا كان غرضه مجرد التوسع والاستزادة ، وقد قال تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ". ولا أقول إلا ما قال سيدنا شعيب:" إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " |
صورة للدكتور يوسف القرضاوي