فوضي أسماء المحلات في الشارع المصري : »دكتوراه« في الكشري.. و»زبالة« في العصير! |
»الهابط« و»الحرامي« و»المستهبلة« تتصدر الواجهات.. و»أبو جهل« يقيم مركز اتصالات! |
29/03/2010 09:34:42 م |
تحقيق: محمد مصطفي |
لافتات كبيرة.. إضاءة مبهرة.. كلمات مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية.. عبارات ركيكة ومسفة ومبتذلة.. بل وشتائم أيضا.. كل هذا أصبح منتشرا علي واجهات المحلات التجارية، التي تحولت أسماؤها وشعاراتها إلي معرض دائم للركاكة في عدوان صارخ علي القيم الجمالية والذوق العام، بما يعكس فوضي عارمة في الشارع المصري دون ضبط ولا رقابة.. وإذا كانت المحلات ملكا لأصحابها، فإن الشارع ملك للجميع، وعليه، فما ذنب المارة أن تصدمهم أسماء محلات من نوعية العبيط والطفس والمفجوع؟ وكيف نتغاضي عن لافتات: الحرامي والجربان وتلوث؟ وما قدر التشويه البصري الذي تحدثه أسماء: الجربان والسفاح وزبالة؟! السطور القادمة صرخة في وجه القبح والإسفاف.. البداية كانت مع تحقيق صحفي بالجيزة.. جذبت أنظارنا لافتة ضخمة لأحد محلات الكشري الذي كتب في اليافطة علي 4 سطور ضخمة كل ألقاب التفخيم والمبالغات والتي من ضمنها "ملك الكشري .. دكتور مصر الأول"! بمتابعة أسماء المحلات تبين أن (دكتور الكشري) ليس وحده في ساحة الشهادات العلمية، فينافسه أحد المحلات الذي يؤكد بيافطة كبيرة " دكتوراه في الكبدة.. ماجستير في المخ.. دبلومة في عالم الشوربة".. ومحل ساعات صغير يؤكد أنه حاصل علي "دبلوم تصليح الساعات من سويسرا".. وأيضا حلواني "دكتور عضمضم.. زميل جامعة صوابع زينب".. بلد شهادات صحيح! الغريب أن مجال المأكولات والمشروبات استحوذ علي نصيب الأسد من الأسماء الغريبة والمسفة بل والمقززة أيضا، وإن كان بعضها تحول إلي ما يشبه الماركة المسجلة لأصحابها مثل (العبيط) و(البغل) و(الجحش)، إلا أن الساحة امتلأت الآن بأسماء مثل (الغشيم) و(الدهل)، و(المفجوع)، وكلها تبيع الفول والطعمية، وأيضا ساندوتشات (عبده تلوث) و(نتانة) لساندوتشات الكبدة والسجق، وفواكه لحوم (الطفس) وكباب (هوهو)، و(عصير زبالة).. آه يا بطني! ويدخل ضمن الغرائب والعجائب أن الألقاب السلبية لا تصف صاحب المحل، بل تطول (الشتيمة) الزبون نفسه، مثل محلات ملابس (المستهبلة)! سطور المأساة تتوالي مع محل سباكة (الجربان)، وملابس (سفاح الساعة) وساعات (الشيخ أمين الحرامي)! الشطط وصل إلي منتهاه مع محل "الورشة الفنية لضبط الجماجم البشرية".. وبالتدقيق داخل المحل تكتشف أنه (محل حلاقة)! أما الغرابة بعينها فهي أن يفتتح أحدهم مجموعة محلات للموبيليا ومركز اتصالات تحمل اسم (أبو جهل)! وتفرك عينيك وتسأل نفسك إن كان المكتوب علي اللافتة اسم المحل أم إحدي مجموعات تصفيات كأس الأمم الأفريقية لمحل بقالة اسمه "مصر والسودان وبنين"! وتبقي الأسماء الغريبة تفوق الحصر، تملأ الشوارع وتنقلها صفحات الانترنت، خاصة علي جروب (غرائب الشارع المصري) علي موقع فيس بوك الشهير، والذي نقلنا عنه مجموعة من الصور. إسفاف إعلاني علميا، يحدد الدكتور صفوت العالم - أستاذ الإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة - أبرز جوانب المخالفات في اللافتات التجارية، مؤكدا أن هناك فوضي كبيرة في لافتات المحلات التجارية والأنشطة الاقتصادية في الشوارع، فمن حيث الشكل، يختار كل صاحب محل شكل اللافتة علي مزاجه، سواء كتب علي الحائط أو استخدم لمبات مضيئة أو جرافيك أو ألوانا زاهية أو متنافرة، بما يؤدي في النهاية إلي أن يتحول الشارع إلي خليط متنافر من التشويه البصري المؤذي، أما من ناحية الحجم، فكل محل يحدد حجم اللافتة كما يريد، حتي أنه يسطو علي مساحات أكبر من المحددة له، ويغطي امتدادا من المحلات المجاورة أو الأدوار الأولي من العمارات. ويستطرد د. العالم قائلا: أما أسوأ أنماط (القبح) في تلك اللافتات فتكون من حيث المضمون، فاللغة المستخدمة باتت هابطة ومبتذلة إلي حد كبير، بل إنها تصل إلي حد استخدام شتائم أو صفات سلبية مثل (المستهبلة والغشيم والمفجوع)، وكلها أوصاف تؤذي المستهلك أو العميل كما تقدم صورة سلبية عن صاحب المحل نفسه أو الخدمة التي يقدمها لزبائنه، وأحيانا يسطو علي علامات تجارية أو أسماء معروفة، دون أن توجد في السجلات التجارية ما يثبت تبعية هذا الفرع للمحل صاحب العلامة التجارية الأصلية، أو حتي يتلاعب ببعض الحروف لتتشابه مع العلامة التجارية الأصلية لتضليل العميل. ويشير أستاذ الإعلان إلي أن تصميم الرسالة الإعلانية بهذا القبح والابتذال يهدف إلي لفت الأنظار لكنه غالبا لا يحقق هدف صاحب الرسالة إلا إذا وجد تدنيا في ذوق المتلقي أو المتعامل معه ويتساءل: كيف يشرب زبون كوبا من العصير في محل اسمه (زبالة)؟! ويوضح د. صفوت العالم أنه إذا كان اسم المحل ملكا لصاحبه، فإن اللافتة ملك للشارع ومن يسيرون فيه، لذلك فلابد من تشديد الضوابط بحيث تكون هذه الأسماء غير متعارضة مع الذوق العام ولا العادات والتقاليد، منوها إلي أن معظم الدول تحدد مساحات محددة للافتات ولغة معينة وتعاقب من يخالف ذلك، مشددا علي ضرورة أن تحتوي لافتة أي محل علي رقم السجل التجاري والمكتب التابع له وأرقام تليفونات المحل واسم المدير المسئول خاصة في الصيدليات. الإحساس نعمة! من جانبه يسخر الخبير النفسي والاجتماعي الدكتور أحمد عبد الله - أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق - من هذه المسميات والألقاب، ويري أنها جزء من ظاهرة أكبر تتمثل في التراجع العام من الناحية الأخلاقية والسلوكية، مشيرا إلي أن العقلية المصرية أبدعت عبارة موجزة رائعة تكتب علي السيارات والحوائط وأبواب العمارات تقول (الإحساس نعمة) لكن يبدو أننا نفقد هذه النعمة باستمرار، فلم نعد نشعر إلا بأنفسنا، وأصبح سهلا إيذاء الآخرين أو عدم تقدير ظروفهم، وهو ما يتضح مثلا في القطارات ومترو الأنفاق، فكل واحد يشغل الموبايل أو الكاسيت، ويرفع الصوت علي آخره سواء كان بالأغاني أو الأدعية الدينية أو موسيقي لعبة يلعبها باستمتاع غير عابيء بالآخرين. وعن عدم مراعاة هذه المحلات لمقتضيات (الذوق العام)، يسأل الخبير الاجتماعي: وما هو الذوق العام؟ إننا لم نعد نتفق علي هذا الشعار الفضفاض، ولم يعد هناك توافق مجتمعي علي محدداته وضوابطه، وما يليق وما لا يليق، فما كان مستهجنا من قبل لم يعد كذلك الآن، بل علي العكس يشهد إقبالا من جانب الشباب وأصبح (افتكاسة) وخفة دم، بعد أن أصبح (لفت النظر) هدفا في حد ذاته مهما كانت الوسيلة، حتي لو كان أن الآخر (يحدفك بطوبة)! 13 دليلا ويلقي الدكتور أنور رسلان - رئيس اتحاد هيئات حماية المستهلك؛ عميد حقوق القاهرة سابقا- بالمسئولية علي الإعلام وما يقدمه من أنماط سلبية باتت تحظي بالشعبية والجماهيرية، فأصبح أي خروج عن المألوف في لغة التخاطب، والتدني في الحوار، والتنابذ بالألقاب مضحكا ومسليا. ويطالب د. رسلان بتشديد الرقابة علي المحلات المخالفة وسحب ترخيص مزاولة النشاط منها في حالة الإصرار علي مخالفة القانون وخدش الحياء، ومخالفة الذوق العام، علي أن يواكب ذلك جنبا إلي جنب جهد مجتمعي حقيقي في نشر قيم الجمال ومحاربة القبح والابتذال. أما الدكتور محمود يسري - رئيس اللجنة العليا للتنسيق الحضاري- فيوضح أن جهاز التنسيق الحضاري أصدر أدلة التنسيق الحضاري في 13 دليلا في أوجه العمران المختلفة من بينها أنشطة القطاع العام وأنشطة القطاع الخاص، وتم توزيعها علي المحافظات لتتولي المحليات التأكد من تحقيقها، واستنكر أسماء تلك المحلات وما علي شاكلتها معتبرها عدوانا صارخا علي الجمال والتحضر. |
مصراوي للإلكترونيات وخدمات الصيانة