الكون شاهد على وجود الله
قال الله تعالى :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (سورة البقرة).
لقد قدّر الله سبحانه و تعالى كل شيء في وجوده الأزلي، فكتب في اللوح المحفوظ، من قبل الخلق، وبأول مخلوقاته "القلم" ، مصير كل هذا الكون وما يحويه من إنس وجان، حي وجماد، ظاهر ومخفي، مخلوق سماوي أو أرضي، مطيع كان أم عاصي، وهكذا فقد سنّ سننّا و بعث أنبياء و رسلاّ مبشّرين و منذّرين، يذكّرون الخلق غاية وجودهم و حجّة خالقهم عليهم، محتجّين بعظمته وحكمته فيما خلق بدلائل قدرّته، مبلّغين إياهم أنها دار عمل و كّد وما بعدها دار نعيم أو نكد. فمنهم من آمن بما جاءه من عند الله ومنهم من أخذته العزّة بالإثم فأضحوا جنّدا من جنود الشيطان يعيثون في سنن ربهم فساداً فحق عليهم قول خالقهم فأخذهم العذاب بغتة فكان مصيرهم التراب يعرضون على النار صباحاً و عشياً لا يسمع عذابهم إلا البهائم فساء ما كانوا يعملون فهكذا كانت سنّة الحكيم - سبحانه - في بعثه لرسلّه موافقة تماماً لسنن الكون نفسه، فلما كان آل فرعون قوم سحّر وقوّة وجبروت بعث إليهم بموسى - عليه السلام- بقوة بدنه و معجزّاته التي أبطلت ما كانوا يفعلون، وكذا أيضا بعث النبيّ سليمان في قوم قد ملئت الملوك أرضهم فسخّر الله بحكمته ملكّا لسليمان يمتدّ من أدنى الأرض إلى المكان الذي حلّق فيه الهدهد فكان من الصادقين. وهكذا فلو اتبعنا و تأملنا بما جاء به الرسل إلى أقوامهم لوجدناها تلائم عصر تواجدها وتوافق حياة وأفكار هذه الأمم، فكانت معجزّة كلّ نبيّ مرسل تدحض ما كان يعصي القوم الله به وكانت في الوقت نفسه تبهر وتعجز قوة الأقوام أنفسهم.
فلهذا جاءت معجزة القرآن -الكريم- وفقا للسنّة نفسها ، فلمّا كتب الله عزّ وجلّ أن الأرض يرثها عباده الصالحون اللذين أصلح بالهم بالقرآن كان ذلك بمثابة الهديّ الذي ينبغي على البشر الإقتداء به مهما طالت بهم العصور و مهما اختلفت أمكنتهم و بلغوا من علمهم الدنيوّي مبلغاً عظيماً كما هو الشأن في عالمنا اليوم. وهكذا ووفقاً لسنّة البعث نفسها فإن الدارس والمتدبر في آخر معجزة لآخر الأنبياء والرسّل، صلّوات الله عليه، يجدها قد أبهرت وأعجزت أقواماً قد عمّرت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن. فإذا كانت قريش قد أقرّت بعجزها وعجز لسانها أمام ما جاء به القرآن بلسان عربي، فهل تقرّ الإنسانية في عصرنا هذا عن عجز علمها النظري و التجريبي أمام ما جاء به الفرقان ؟! و هل سيدركون أن الله - سبحانه- وحده دون غيره كان قبل خلق المكان وسيعيد كل شيء إلى ما كان عليه المكان قبل خلق المكان؟! فهكذا أراد لحكمته وسنّته أن تكون، فقد خلق الأسباب والمسبّبات والمسبب له وخلق النتائج سبحّانه له في خلقه شؤون.
ولكن دعونا نتأمل الآن فيما أعجز القرآن عمّا عجز الإنسان عن فهمه، تفسيره واكتشافه، وعلى سبيل المثال -لا على سبيل الحصر- سنحاول أن نسوق بعض الأمثلة نبيّن لغيرنا من خلالها أنه الحق من ربنا، أمثلة قلت تجعل القرآن معجزة دائمة على دهر العصور الغابرة وعلى طول الأزمنة القادمة إلى أن يرث الله الكون و ما فيه والأرض ومن عليها.
لقد كان يعتقد علماء الفلك القدامى أن الكون وأبعاده ما هو إلا مجموعة محدودة من كواكب سيارة تدور بشكل منتظم حول الشمس، لكن الاكتشافات التي جاءت إثر ظهور الثورة العلمية في مطلع القرن العشرين قد أثبتت أن الكون أبعاده ابعد من ذلك ! فالمجموعة الشمسية ما هي إلاّ جزئ ضئيل من مجرّتنا أمام كم هائل من المجرّات الأخرى، و تستمر الاكتشافات لتذهل عقولنا المحدودة و تخبرنا بأنّ هناك مئات من "عناقيد المجرّات" كل عنقود يحوي آلاف من " أكوام المجرّات" و كل كومة قد تحوي عشرات الآلاف من "المجرّات" و كل مجرّة متكونة من غازات تقارب درجة حرارتها المئة مليون درجة مئوية، كما تحوي ملايين الأجرّام السماويّة ومن مجموعات شمسية أخرى قد تكون شمسنا هذه أصغر الشموس فيها ! و بعبارة إحصائية و لكي يتسنى لنا تخيل مدى عظمة هذا الكون وعظمة خالقه: فإن نسبة كوكبنا الأرضي إلى نسبة كل الكون كنسبة نقطة من حرف أبجدي في مكتبة تحوي مليون مجلّد كلّ مجلّد يحوي ألف صفحة !! و بالحساب التقريبي فإنه يوجد في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العشر(بضمّ العين) و العشرة أضعاف من حجم الشمس. فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا مثلا عدد كل المجرّات على كل البشر في هذه المعمورة فإن كل إنسان على وجه الأرض سيتحصل تقريباً على مئة مجرّة !!
سبحان الله فما أعظم قدرته وما أضألنا، و ما أقواه وما أضعفنا و ما أعظم علمه وما أجهلنا !
ولنا إذاً أن نتصوّر قيمة كل واحد منّا أمام كلّ الكون ! بل أمام مجرّة واحدة ، أمّا إذا تصوّرنا ضعفنا أمام خالقنا وخالق هذا الكون، فبنفس الحسابات المنطقية، نجد أننا مفرّطين في عبادته حتى و لو قمنا بتسبيحه و تهليله و استغفاره عدد كلّ ذرّة من كلّ جرّم من أجرام كونه !! و كيف لا وعندما يسبّح الواحد منّا يكون قد سبقه في تسبيحه هذا مئات الآلاف من المليارات من النجوم
عندما غادر الفيزيائي "آلبرت اينشتاين" موطنه ألمانيا، هروباً من خطر النازية كونه كان يهودياً، متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل استقبال بهيج سأل أحد الصحفيون هذا العالم عن مفهوم نظريته الجديدة (النسبيّة) والتي أحدثت ضجّة علمية كبيرة آنذاك، ردّ عليه قائلا: " لا يزال الناس يعتقدون اليوم أنه إذا قدّر(بضّم القاف) للكون أن يختفي يوماً فإن الذي سيبقى هو الفراغ و الزّمن، أما وفقاً لنسبيتي فإن الفراغ و الزّمن يختفيان أيضاً ! لانهما هما اللّذان يحددان الكون !! "(١) ولم يفهم العالم يومها ما جاء به اينشتاين لأنه كان قد سبق عصره بما يزيد عن خمسين سنة ! فقد أدرك هذا العلم الفيزيائي أن الزمن والفراغ وأبعادهم الأربع ما هما إلاّ عنصرين مكوّنين للكون وأن الكون لا يقام بالأجرام السماوية فقط بل ببعديهما أيضاً، ثم بعد هذا جاءت نظرية "الانفجار الكبير" لتدعّم نظرية النسبية، فقد أشارت هذه الأخيرة أن الكون، قبل ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، كان عبارة عن نقطة متناهية في الصغر(تؤول إلى العدم) وكانت المادة و الطاقة محبوستان في هذه النقطة ومكدستان بكثافة و درجة حرارة هائلة لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها، ثم انفجرت هذه النقطة انفجاراً عظيما في لحظة زمنية لا يمكن لأيّ قانون فيزيائي- بشريّ أن يقيسها، حيث ولّد هذا الانفجار طاقة حرارية هائلة و غازات ودخان كثيف و تقول النظرية أنه لا يمكن بحال من الأحوال تخيّل ما كان حاصل قبل الانفجار لأنه لم يكن هناك أبعاد ( الوقت والزمن) لكي يحدث بينهما -أو خلالهما- شيء ما، فالوقت والزمن نتجتا عن الانفجار نفسه، فمرحلة ما قبل الانفجار هي مرحلة لا مفهوم ولا مدلول لها من الناحية الزمنية، الفيزيائية ولا حتى السببية وخلاصة قول أنصار نظرية الانفجار الكبير أنّ الأبحاث الحديثة في هذا الصدد تقول أن الكون في حالته اليوم ، من هندسة و تطور، لا يسمح لنا بأن نستخلص أي نتيجة أو أن نقترح أيّة نظرية تفسّر لنا مرحلة ما قبل الانفجار، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نتصور كيف يمكن لقانون الجاذبية أن يعمل في ظروف الكثافة والحرارة اللامتناهيتان اللتان كانتا قبل الانفجار، إذ يعتقد أنصار هذه النظرية أنه لا داعيللتكلم عن مرحلة ما قبل الانفجار لأن الوقت والفراغ (بأبعادهما الأربع) لم يكونا بعد لكي يحدث خلالهما ظاهرة ما، والسؤال هنا عن هذه المرحلة هو مضيعة للوقت شأنه شأن السؤال عن وجود الحياة في القطب الشمالي. و هذا الكلام ليس بجديد لدى علماء الغرب حتى أن إنجيلهم يطرح سؤال مفاده أنه إن لم يكن هناك زمن أو مكان فأينوفيما كان الله يقضي أوقاته؟
قال الله تعالى :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (سورة البقرة).
لقد قدّر الله سبحانه و تعالى كل شيء في وجوده الأزلي، فكتب في اللوح المحفوظ، من قبل الخلق، وبأول مخلوقاته "القلم" ، مصير كل هذا الكون وما يحويه من إنس وجان، حي وجماد، ظاهر ومخفي، مخلوق سماوي أو أرضي، مطيع كان أم عاصي، وهكذا فقد سنّ سننّا و بعث أنبياء و رسلاّ مبشّرين و منذّرين، يذكّرون الخلق غاية وجودهم و حجّة خالقهم عليهم، محتجّين بعظمته وحكمته فيما خلق بدلائل قدرّته، مبلّغين إياهم أنها دار عمل و كّد وما بعدها دار نعيم أو نكد. فمنهم من آمن بما جاءه من عند الله ومنهم من أخذته العزّة بالإثم فأضحوا جنّدا من جنود الشيطان يعيثون في سنن ربهم فساداً فحق عليهم قول خالقهم فأخذهم العذاب بغتة فكان مصيرهم التراب يعرضون على النار صباحاً و عشياً لا يسمع عذابهم إلا البهائم فساء ما كانوا يعملون فهكذا كانت سنّة الحكيم - سبحانه - في بعثه لرسلّه موافقة تماماً لسنن الكون نفسه، فلما كان آل فرعون قوم سحّر وقوّة وجبروت بعث إليهم بموسى - عليه السلام- بقوة بدنه و معجزّاته التي أبطلت ما كانوا يفعلون، وكذا أيضا بعث النبيّ سليمان في قوم قد ملئت الملوك أرضهم فسخّر الله بحكمته ملكّا لسليمان يمتدّ من أدنى الأرض إلى المكان الذي حلّق فيه الهدهد فكان من الصادقين. وهكذا فلو اتبعنا و تأملنا بما جاء به الرسل إلى أقوامهم لوجدناها تلائم عصر تواجدها وتوافق حياة وأفكار هذه الأمم، فكانت معجزّة كلّ نبيّ مرسل تدحض ما كان يعصي القوم الله به وكانت في الوقت نفسه تبهر وتعجز قوة الأقوام أنفسهم.
فلهذا جاءت معجزة القرآن -الكريم- وفقا للسنّة نفسها ، فلمّا كتب الله عزّ وجلّ أن الأرض يرثها عباده الصالحون اللذين أصلح بالهم بالقرآن كان ذلك بمثابة الهديّ الذي ينبغي على البشر الإقتداء به مهما طالت بهم العصور و مهما اختلفت أمكنتهم و بلغوا من علمهم الدنيوّي مبلغاً عظيماً كما هو الشأن في عالمنا اليوم. وهكذا ووفقاً لسنّة البعث نفسها فإن الدارس والمتدبر في آخر معجزة لآخر الأنبياء والرسّل، صلّوات الله عليه، يجدها قد أبهرت وأعجزت أقواماً قد عمّرت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن. فإذا كانت قريش قد أقرّت بعجزها وعجز لسانها أمام ما جاء به القرآن بلسان عربي، فهل تقرّ الإنسانية في عصرنا هذا عن عجز علمها النظري و التجريبي أمام ما جاء به الفرقان ؟! و هل سيدركون أن الله - سبحانه- وحده دون غيره كان قبل خلق المكان وسيعيد كل شيء إلى ما كان عليه المكان قبل خلق المكان؟! فهكذا أراد لحكمته وسنّته أن تكون، فقد خلق الأسباب والمسبّبات والمسبب له وخلق النتائج سبحّانه له في خلقه شؤون.
ولكن دعونا نتأمل الآن فيما أعجز القرآن عمّا عجز الإنسان عن فهمه، تفسيره واكتشافه، وعلى سبيل المثال -لا على سبيل الحصر- سنحاول أن نسوق بعض الأمثلة نبيّن لغيرنا من خلالها أنه الحق من ربنا، أمثلة قلت تجعل القرآن معجزة دائمة على دهر العصور الغابرة وعلى طول الأزمنة القادمة إلى أن يرث الله الكون و ما فيه والأرض ومن عليها.
لقد كان يعتقد علماء الفلك القدامى أن الكون وأبعاده ما هو إلا مجموعة محدودة من كواكب سيارة تدور بشكل منتظم حول الشمس، لكن الاكتشافات التي جاءت إثر ظهور الثورة العلمية في مطلع القرن العشرين قد أثبتت أن الكون أبعاده ابعد من ذلك ! فالمجموعة الشمسية ما هي إلاّ جزئ ضئيل من مجرّتنا أمام كم هائل من المجرّات الأخرى، و تستمر الاكتشافات لتذهل عقولنا المحدودة و تخبرنا بأنّ هناك مئات من "عناقيد المجرّات" كل عنقود يحوي آلاف من " أكوام المجرّات" و كل كومة قد تحوي عشرات الآلاف من "المجرّات" و كل مجرّة متكونة من غازات تقارب درجة حرارتها المئة مليون درجة مئوية، كما تحوي ملايين الأجرّام السماويّة ومن مجموعات شمسية أخرى قد تكون شمسنا هذه أصغر الشموس فيها ! و بعبارة إحصائية و لكي يتسنى لنا تخيل مدى عظمة هذا الكون وعظمة خالقه: فإن نسبة كوكبنا الأرضي إلى نسبة كل الكون كنسبة نقطة من حرف أبجدي في مكتبة تحوي مليون مجلّد كلّ مجلّد يحوي ألف صفحة !! و بالحساب التقريبي فإنه يوجد في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العشر(بضمّ العين) و العشرة أضعاف من حجم الشمس. فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا مثلا عدد كل المجرّات على كل البشر في هذه المعمورة فإن كل إنسان على وجه الأرض سيتحصل تقريباً على مئة مجرّة !!
سبحان الله فما أعظم قدرته وما أضألنا، و ما أقواه وما أضعفنا و ما أعظم علمه وما أجهلنا !
ولنا إذاً أن نتصوّر قيمة كل واحد منّا أمام كلّ الكون ! بل أمام مجرّة واحدة ، أمّا إذا تصوّرنا ضعفنا أمام خالقنا وخالق هذا الكون، فبنفس الحسابات المنطقية، نجد أننا مفرّطين في عبادته حتى و لو قمنا بتسبيحه و تهليله و استغفاره عدد كلّ ذرّة من كلّ جرّم من أجرام كونه !! و كيف لا وعندما يسبّح الواحد منّا يكون قد سبقه في تسبيحه هذا مئات الآلاف من المليارات من النجوم
عندما غادر الفيزيائي "آلبرت اينشتاين" موطنه ألمانيا، هروباً من خطر النازية كونه كان يهودياً، متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل استقبال بهيج سأل أحد الصحفيون هذا العالم عن مفهوم نظريته الجديدة (النسبيّة) والتي أحدثت ضجّة علمية كبيرة آنذاك، ردّ عليه قائلا: " لا يزال الناس يعتقدون اليوم أنه إذا قدّر(بضّم القاف) للكون أن يختفي يوماً فإن الذي سيبقى هو الفراغ و الزّمن، أما وفقاً لنسبيتي فإن الفراغ و الزّمن يختفيان أيضاً ! لانهما هما اللّذان يحددان الكون !! "(١) ولم يفهم العالم يومها ما جاء به اينشتاين لأنه كان قد سبق عصره بما يزيد عن خمسين سنة ! فقد أدرك هذا العلم الفيزيائي أن الزمن والفراغ وأبعادهم الأربع ما هما إلاّ عنصرين مكوّنين للكون وأن الكون لا يقام بالأجرام السماوية فقط بل ببعديهما أيضاً، ثم بعد هذا جاءت نظرية "الانفجار الكبير" لتدعّم نظرية النسبية، فقد أشارت هذه الأخيرة أن الكون، قبل ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، كان عبارة عن نقطة متناهية في الصغر(تؤول إلى العدم) وكانت المادة و الطاقة محبوستان في هذه النقطة ومكدستان بكثافة و درجة حرارة هائلة لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها، ثم انفجرت هذه النقطة انفجاراً عظيما في لحظة زمنية لا يمكن لأيّ قانون فيزيائي- بشريّ أن يقيسها، حيث ولّد هذا الانفجار طاقة حرارية هائلة و غازات ودخان كثيف و تقول النظرية أنه لا يمكن بحال من الأحوال تخيّل ما كان حاصل قبل الانفجار لأنه لم يكن هناك أبعاد ( الوقت والزمن) لكي يحدث بينهما -أو خلالهما- شيء ما، فالوقت والزمن نتجتا عن الانفجار نفسه، فمرحلة ما قبل الانفجار هي مرحلة لا مفهوم ولا مدلول لها من الناحية الزمنية، الفيزيائية ولا حتى السببية وخلاصة قول أنصار نظرية الانفجار الكبير أنّ الأبحاث الحديثة في هذا الصدد تقول أن الكون في حالته اليوم ، من هندسة و تطور، لا يسمح لنا بأن نستخلص أي نتيجة أو أن نقترح أيّة نظرية تفسّر لنا مرحلة ما قبل الانفجار، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نتصور كيف يمكن لقانون الجاذبية أن يعمل في ظروف الكثافة والحرارة اللامتناهيتان اللتان كانتا قبل الانفجار، إذ يعتقد أنصار هذه النظرية أنه لا داعيللتكلم عن مرحلة ما قبل الانفجار لأن الوقت والفراغ (بأبعادهما الأربع) لم يكونا بعد لكي يحدث خلالهما ظاهرة ما، والسؤال هنا عن هذه المرحلة هو مضيعة للوقت شأنه شأن السؤال عن وجود الحياة في القطب الشمالي. و هذا الكلام ليس بجديد لدى علماء الغرب حتى أن إنجيلهم يطرح سؤال مفاده أنه إن لم يكن هناك زمن أو مكان فأينوفيما كان الله يقضي أوقاته؟