يسعد المرء في حياته العامة وتتهلل أساريره حينما يجد بينه وبين إخوته وأحبته الشعور المتبادل مِن الود والتقدير والاحترام، فيحظى مرة بالابتسامة الصادقة، وأخرى بالكلمة الطيبة، وثالثة بالتعاون على البر والتقوى، حتى تتقوى أواصر المحبة بينه وبينهم ويصبح لا يقوى على الابتعاد عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..
وواقعنا اليوم أحبتي الكرام في الساحة العربية لا يختلف كثيراً عما تم ذكره، فنجد هنا بحمد الله الكلمة الطيبة، وكذلك الابتسامة الصادقة والتعاون على البر والتقوى، بل يشعر المرء في بعض أوقاته التي يقضيها في الساحة العربية أنه يعيش جنة دنياه، وذلك بما أكرمه الله به من صحبة طيّبة مباركة، يجيدون انتقاء الكلام وترتيبه كما ينتقى أطايب الثمر..
لهذا أحببت أن أتوقف قليلاً مع هذا الواقع الجميل - أتم الله علينا وعليكم صفاءه - لأذكّر نفسي أولاً ثم أذكر أحبتي الكرام ببعض الذوقيات التي يجدر بنا الحرص عليها والاجتهاد في ترسيم حدودها بين بعضنا البعض أثناء تواجدنا في الساحة العربية، حتى يزداد الحضور الإيجابي بيننا ونتدارك ما قد نقع فيه - أحيانا - مِن أخطاء..
[ 1 ] ابتغ بما تكتبه وجه الله وطلب مرضاته..
احرص أخي الكاتب الكريم على مراقبة الله في أقوالك وأفعالك كلها، وأخص بالذكر هنا ما تكتبه في مواضيعك وردودك، فلا تكتب ما تعلم أنه سيكون حجة عليك يوم القيامة، ولا تتمادى في الزلل والخطأ إن وجدت من يتمادى فيه، بل ضنّ بنفسك عن مجاراة المخطئ في خطأه والمقصر في تقصيره، واحفظ لسانك وقلمك عن الخوض فيما يبعدك عن مرضاة خالقك سبحانه وتعالى..
[ 2 ] ابتعد عن الأمور الشخصية..
وأعني بها الأمور الشخصية الخاصة بك، وكذلك الأمور الشخصية الخاصة بغيرك من الكتاب..
فلا يليق بك أن تتحدث عن أمورك الشخصية التي لا فائدة تعود عليك من ذكرها ولا على الآخرين، كالحديث عن أهل بيتك مثلاً أو وظيفتك، إذ لا فائدة - في الغالب - من ذكر ذلك وإطلاع الآخرين عليه..
ولا يليق بك كذلك أن تتحدث عن أمور الناس الخاصة بهم، مالية كانت أو اجتماعية أو وظيفية، فلكل فرد من أفراد المجتمع شخصيته المستقلة وما له صلة بها، وكما أنك تكره أن يتعرض أحدهم لبعض شؤونك الخاصة بك فتذكر أن الآخرين يكرهون ذلك أيضاً، وعامل الناس بما تحب معاملتهم إياك به..
[ 3 ] تعامل مع المكتوب دائماً بغض النظر عن الكاتب..
فإذا ما وجدت موضوعاً طيباً نافعاً وكانت لك ملاحظات سابقة على كاتبه فلا تقف كثيراً عند ذلك بل اجعل تركيزك منصباً دائماً على ما يُكتب بغض النظر عن كاتبه..
والأمر كذلك ينطبق على أهل الجهة الأخرى، فإذا ما وجدت موضوعاً عليه بعض المآخذ وكان كاتبه معروفاً بالحضور الإيجابي الهادف فلا تجعل ذلك يثنيك عن كتابة الملاحظات له وإطلاعه عليها، فلا أحد معصوم بعد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحتماً ستجد منه الترحيب بذلك وشكرك على موقفك الذي تجردت فيه عن النظر لما للكاتب من حضور وقبول ونحو ذلك..
[ 4 ] إياك وخفض الجناح مع الجنس الآخر..
والأمر هنا موجه لكلا الجنسين، رجالاً ونساءً..
فلا يليق بالرجل الحر الأصيل أن يخفض جناحه للنساء من حوله ولا أن يمازحهن ويكثر من حضوره الباسم بينهن، المعتمد على خفة الدم وإضحاك الآخرين، فرجولته وسمو نفسه وشهامته تجعله يبتعد عن ذلك ويكرم نفسه عن محاورة النساء بغير فائدة ولا حاجة تدعو لذلك..
ولا يليق كذلك بالمرأة العفيفة الطاهرة أن تزاحم الرجال في موضوعاتهم وتكثر الحضور بينهم بغير فائدة ولا حاجة، فمن لوازم الأنوثة التي عرفت عن النساء منذ قديم الأزل "خصلة الحياء" التي هي زينة المرأة الأولى، والتي تجعلها تضن بمروءتها عن أن تخدشها بالتواجد الدائم بين الرجال في موضوعاتهم لغير حاجة تدعو لذلك..
ولا يقصد بهذا أن يُحظر الحوار بين حواء وآدم، بل الغاية هي تقنين التعامل بينهما وحصره في إطار الفائدة العامة دون إفراط متشدد أو تفريط متحرر..
[ 5 ] لا تكوّن لنفسك العداوات..
ولا يخفاك أخي الكريم أن اهتمامات الناس مختلفة، وأفكارهم متعددة، وربما تجد في البيت الواحد إخوة لكل واحد منهم تفكيره المستقل واهتماماته المختلفة عن إخوته، ولذا فمن باب أولى أن تجد في عالم الانترنت شيئاً من ذلك الاختلاف، فاحرص على أن تقلل من أثره وأن يبقى محصوراً في الرأي والفكرة لا أن يشمل الاختلاف في كل صغيرة وكبيرة بينك وبين من يخالفك..
فإذا لم يستطع أي منكما إقناع صاحبه برأيه فلا يمنع ذلك أن تجد الأخلاق الإسلامية الشريفة موضعاً لها بينك وبينه، ولا يضركما أن تستمر الأخوة بينكما وإن اختلفتما في الأفكار..
[ 6 ] إياك وتلميع الذات..
فلا تكثر من تمجيد نفسك أمام الآخرين والظهور أمامهم بمظهر الإنسان الكامل الخالي من العيوب والأخطاء، فهذه صفة ذميمة أعيذك بالله أن تتصف بها، وقلّ أن تجد إنساناً يتصف بها إلا وابتعد عنه الآخرون لنرجسيته وحبه الأنا والذات، فالناس لا يهمهم من أنت وما رصيدك ونوع سيارتك ووظيفتك، إنما يهمهم ماذا تكتب وبمَ تفكر وما هو الأثر الذي تتركه كتاباتك في نفوسهم..
فاهجر الأنا وفرّ منها بكل ما تقدر، واحرص على خلو كتاباتك منها حتى يسهل عليك التواصل مع الآخرين دون أن يزعجهم ما يصدر منك من نرجسية وما ماثلها ..
[ 7 ] اجعل الآخرين ينتظروا حضورك ويأنسوا به..
وذلك بحرصك على التواجد الأخوي الحاني أياً كانت صوره وأشكاله، تسأل عن هذا وتطمئن على الآخر، تبارك لأخيك المولودة الجديدة وتعزي أخاك الآخر في وفاة قريب له، وتحرص على أن تطمئن على أحبتك وإخوتك، ولا تأل جهداً في خدمتهم إذا ما طلبوا ذلك، حتى يحبك الآخرون وينتظروا حضورك دائماً، ليقينهم بأن البسمة لها رواج في وجودك، والكلمة الطيبة لها وقع في حضورك، ولإدراكهم بأن حضورك يتبعه حضور الذوق والأدب والمروءة والخلق الكريم..
[ 8 ] تقبل النقد بصدر رحب واحرص على الاستفادة منه..
وإذا ما كتب لك أحدهم بنقدٍ أو وجه لك ملاحظة على رد أو موضوع كتبته فلا تكابر وتحاول تبرير موقفك وتطويع المقاصد لإثبات صحة ما كتبته، بل تقبل ذلك النقد بصدر رحب، واحرص على الاستفادة منه في كتاباتك القادمة، واحفظ لمن نقدك هذا الجميل واشكره عليه، واطلب منه تعاهدك بالنصح بين الفينة والأخرى، فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ..
وإذا ما دوّنتَ على أحدهم ملاحظة أو نقدته فيما كتب فاحرص قدر استطاعتك على أن توصل له ذلك سراً، فلا مقارنة بين النصيحة في السر وبينها في العلانية، وإن لم تجد له عنواناً بريدياً خاصاً به فاطلب منه في موضوعه تزويدك به دون أن تحرجه بنقده ونصحه أمام الملأ..
[ 9 ] لا تنتظر الشكر والثناء من أحد..
وإذا كتبتَ كتابتك، رداً كانت أو موضوعاً، فلا تنتظر الشكر والثناء من أحد، ولا تبحث عن كثرة الردود، بل اخلص نيتك لله واطلب منه سبحانه الأجر والمثوبة على ذلك، وتكون بذلك قد حزت الخير العميم والأجر الوفير، كما يجدر بك سؤاله عز وجل أن يكتب القبول لما كتبته ويجعل له وقعاً في نفوس الآخرين، ولا يتحقق لك ذلك دون أن تخلص كتابتك له سبحانه ..
وإذا نجحت في تحقيق ذلك وصرفت اهتمامك عن طلب مدح أو ثناء فلن تجد في نفسك اهتماماً بشكر الآخرين ومديحهم وإن وُجد، فغاية ما يجب أن تحرص عليه هو نيل مرضاة الله..
[ 10 ] تذكر دائماً عند الكتابة قوله تعالى [ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ] ..
فكل ما تكتبه ستجده أمامك في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومن تذكر ذلك استعد له جيداً وحرص على أن يبقي سجله أبيضاً ناصعاً مشرقاً تزينه الكلمات الطيبة وتنيره الدعوات الصادقة وتخلو أسطره من السب والشتم والتعرض للآخرين وإيذائهم، وذلك أعظم مقصود حريّ بكل واحد منا أن يسعى لتحقيقه دائماً، فالله سبحانه مطلع على السرائر فضلاً عما نكتبه ونتحدث به، وإذا أدركت ذلك وآمنت به حقاً ازددت حرصاً على ألا تكتب إلا ما يشرفك ويرفع قدرك في الدارين..
[ 11 ] تنبّه أثناء الكتابة إلى أن كافة فئات المجتمع تقرأ ما تكتبه..
لابد أن تدرك أخي الكاتب وأنتِ أختي الكاتبة أن الانترنت عالم مفتوح للجميع، لا وجود فيه للأسرار والخصوصيات، ولا مكان فيه لتحديد فئة القراء إلا قليلاً، وإذا أدركنا هذا الأمر واستقر يقيناً في نفوسنا كان ذلك داعياً لنا إلى مراعاة مشاعر القراء فيما نكتبه، والذين هم في الغالب من كافة فئات المجتمع، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، أصحاء ومُعاقين، بل وجدنا من يتصفح الانترنت وهو أصمّ، ومن يتصفحه وهو أعمى..
فلا يليق بنا أن نكتب ما نجرح به مشاعر غيرنا، كالحديث بصورة قاتمة مظلمة عن الطلاق مثلاً ووصف المطلق أو المطلقة بأشنع الأوصاف وأقساها، أو عمّن يتصف بصفة خلْقية معينة كالسمنة أو الشخير أو غيرها، فكما لك الحق في اختيار كتاباتك فإن للآخرين الحق في قراءة مالا يتسبب لهم في الإزعاج والإيذاء..
كما أن الأمر هنا يشمل احترام عقول القراء حين الحديث عن بعض الأمور الخاصة، كالحديث عن الزواج أو التعدد أو ليلة الزواج الأولى وما يترتب على هذه المواضيع من تفاصيل يتصفد منها وجه المرأة حياءً مما تقرأ، وإذا كان المطلب مُلحاً في الكتابة عن مثل هذه الأمور فلنتخذ من القرآن والسنة منهجاً لنا في ذلك، بالتلميح دون التصريح ( أو لامستم )، والإيجاز دون الإطناب ( لتسكنوا إليها )..
[ 12 ] أبدع "كتابياً" في المجال الذي تحسنه..
ابحث عن المجال الذي تجيد الحديث فيه، ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً أو رياضياً، ثم ابدأ بالكتابة فيه مستعيناً بما لديك من معلومات ومعارف عنه، وحريصاً على أن تقدم للقراء ما ينفعهم ويجعل لموضوعك في نفوسهم أثراً نافذاً..
[ 13 ] لا تجعل لظروف حياتك العامة تأثير على كتاباتك..
وذلك بأن تجتهد في استقلال كتاباتك وعدم تأثرها بما تمر به في حياتك العامة من ظروف، سواء كانت مفرحة أو محزنة..
فقد تكتب في وقت فرح شديد فتبالغ فيما تكتب وتغض الطرف عن الخطأ أو لا تنتبه له، وقد تكتب في وقت حزن أو غضب فينعكس ذلك بصورة سلبية على كتاباتك، ويدرك الأمر فيما بعد من كانت له أدنى متابعة لكتاباتك السابقة..
فلا تكتب حينما تشعر بأن ظروف حياتك لها تأثير بارز على ما ستكتبه، بل اختر الوقت المناسب لذلك واهجر الكتابة في الأوقات التي تعلم أنك لن تقدّم فيها ما تقدّمه عند صفاء الذهن وخلوه من المشاغل والهموم..
[ 14 ] إياك أن تكتب في وقت الغضب..
ولا أبلغ في هذا من قول الحبيب صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" كررها ثلاثاً..
فالغضب - إن لم يكن على محارم الله أن تنتهك - فهو سلبي عليك وعلى كل من اتصف به، وإذا قٌدّر لك أن تكتب في وقت الغضب فستشعر بعد أن تهدأ بأنك قد كتبت كلاماً ربما تندم عليه طويلاً..
فابتعد عن الكتابة بالكلية إذا كنت غاضباً، وإياك أن تكتب أو تراسل وأنت مغضب، فسينعكس ذلك على كتاباتك ولابد.. :)
وواقعنا اليوم أحبتي الكرام في الساحة العربية لا يختلف كثيراً عما تم ذكره، فنجد هنا بحمد الله الكلمة الطيبة، وكذلك الابتسامة الصادقة والتعاون على البر والتقوى، بل يشعر المرء في بعض أوقاته التي يقضيها في الساحة العربية أنه يعيش جنة دنياه، وذلك بما أكرمه الله به من صحبة طيّبة مباركة، يجيدون انتقاء الكلام وترتيبه كما ينتقى أطايب الثمر..
لهذا أحببت أن أتوقف قليلاً مع هذا الواقع الجميل - أتم الله علينا وعليكم صفاءه - لأذكّر نفسي أولاً ثم أذكر أحبتي الكرام ببعض الذوقيات التي يجدر بنا الحرص عليها والاجتهاد في ترسيم حدودها بين بعضنا البعض أثناء تواجدنا في الساحة العربية، حتى يزداد الحضور الإيجابي بيننا ونتدارك ما قد نقع فيه - أحيانا - مِن أخطاء..
[ 1 ] ابتغ بما تكتبه وجه الله وطلب مرضاته..
احرص أخي الكاتب الكريم على مراقبة الله في أقوالك وأفعالك كلها، وأخص بالذكر هنا ما تكتبه في مواضيعك وردودك، فلا تكتب ما تعلم أنه سيكون حجة عليك يوم القيامة، ولا تتمادى في الزلل والخطأ إن وجدت من يتمادى فيه، بل ضنّ بنفسك عن مجاراة المخطئ في خطأه والمقصر في تقصيره، واحفظ لسانك وقلمك عن الخوض فيما يبعدك عن مرضاة خالقك سبحانه وتعالى..
[ 2 ] ابتعد عن الأمور الشخصية..
وأعني بها الأمور الشخصية الخاصة بك، وكذلك الأمور الشخصية الخاصة بغيرك من الكتاب..
فلا يليق بك أن تتحدث عن أمورك الشخصية التي لا فائدة تعود عليك من ذكرها ولا على الآخرين، كالحديث عن أهل بيتك مثلاً أو وظيفتك، إذ لا فائدة - في الغالب - من ذكر ذلك وإطلاع الآخرين عليه..
ولا يليق بك كذلك أن تتحدث عن أمور الناس الخاصة بهم، مالية كانت أو اجتماعية أو وظيفية، فلكل فرد من أفراد المجتمع شخصيته المستقلة وما له صلة بها، وكما أنك تكره أن يتعرض أحدهم لبعض شؤونك الخاصة بك فتذكر أن الآخرين يكرهون ذلك أيضاً، وعامل الناس بما تحب معاملتهم إياك به..
[ 3 ] تعامل مع المكتوب دائماً بغض النظر عن الكاتب..
فإذا ما وجدت موضوعاً طيباً نافعاً وكانت لك ملاحظات سابقة على كاتبه فلا تقف كثيراً عند ذلك بل اجعل تركيزك منصباً دائماً على ما يُكتب بغض النظر عن كاتبه..
والأمر كذلك ينطبق على أهل الجهة الأخرى، فإذا ما وجدت موضوعاً عليه بعض المآخذ وكان كاتبه معروفاً بالحضور الإيجابي الهادف فلا تجعل ذلك يثنيك عن كتابة الملاحظات له وإطلاعه عليها، فلا أحد معصوم بعد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحتماً ستجد منه الترحيب بذلك وشكرك على موقفك الذي تجردت فيه عن النظر لما للكاتب من حضور وقبول ونحو ذلك..
[ 4 ] إياك وخفض الجناح مع الجنس الآخر..
والأمر هنا موجه لكلا الجنسين، رجالاً ونساءً..
فلا يليق بالرجل الحر الأصيل أن يخفض جناحه للنساء من حوله ولا أن يمازحهن ويكثر من حضوره الباسم بينهن، المعتمد على خفة الدم وإضحاك الآخرين، فرجولته وسمو نفسه وشهامته تجعله يبتعد عن ذلك ويكرم نفسه عن محاورة النساء بغير فائدة ولا حاجة تدعو لذلك..
ولا يليق كذلك بالمرأة العفيفة الطاهرة أن تزاحم الرجال في موضوعاتهم وتكثر الحضور بينهم بغير فائدة ولا حاجة، فمن لوازم الأنوثة التي عرفت عن النساء منذ قديم الأزل "خصلة الحياء" التي هي زينة المرأة الأولى، والتي تجعلها تضن بمروءتها عن أن تخدشها بالتواجد الدائم بين الرجال في موضوعاتهم لغير حاجة تدعو لذلك..
ولا يقصد بهذا أن يُحظر الحوار بين حواء وآدم، بل الغاية هي تقنين التعامل بينهما وحصره في إطار الفائدة العامة دون إفراط متشدد أو تفريط متحرر..
[ 5 ] لا تكوّن لنفسك العداوات..
ولا يخفاك أخي الكريم أن اهتمامات الناس مختلفة، وأفكارهم متعددة، وربما تجد في البيت الواحد إخوة لكل واحد منهم تفكيره المستقل واهتماماته المختلفة عن إخوته، ولذا فمن باب أولى أن تجد في عالم الانترنت شيئاً من ذلك الاختلاف، فاحرص على أن تقلل من أثره وأن يبقى محصوراً في الرأي والفكرة لا أن يشمل الاختلاف في كل صغيرة وكبيرة بينك وبين من يخالفك..
فإذا لم يستطع أي منكما إقناع صاحبه برأيه فلا يمنع ذلك أن تجد الأخلاق الإسلامية الشريفة موضعاً لها بينك وبينه، ولا يضركما أن تستمر الأخوة بينكما وإن اختلفتما في الأفكار..
[ 6 ] إياك وتلميع الذات..
فلا تكثر من تمجيد نفسك أمام الآخرين والظهور أمامهم بمظهر الإنسان الكامل الخالي من العيوب والأخطاء، فهذه صفة ذميمة أعيذك بالله أن تتصف بها، وقلّ أن تجد إنساناً يتصف بها إلا وابتعد عنه الآخرون لنرجسيته وحبه الأنا والذات، فالناس لا يهمهم من أنت وما رصيدك ونوع سيارتك ووظيفتك، إنما يهمهم ماذا تكتب وبمَ تفكر وما هو الأثر الذي تتركه كتاباتك في نفوسهم..
فاهجر الأنا وفرّ منها بكل ما تقدر، واحرص على خلو كتاباتك منها حتى يسهل عليك التواصل مع الآخرين دون أن يزعجهم ما يصدر منك من نرجسية وما ماثلها ..
[ 7 ] اجعل الآخرين ينتظروا حضورك ويأنسوا به..
وذلك بحرصك على التواجد الأخوي الحاني أياً كانت صوره وأشكاله، تسأل عن هذا وتطمئن على الآخر، تبارك لأخيك المولودة الجديدة وتعزي أخاك الآخر في وفاة قريب له، وتحرص على أن تطمئن على أحبتك وإخوتك، ولا تأل جهداً في خدمتهم إذا ما طلبوا ذلك، حتى يحبك الآخرون وينتظروا حضورك دائماً، ليقينهم بأن البسمة لها رواج في وجودك، والكلمة الطيبة لها وقع في حضورك، ولإدراكهم بأن حضورك يتبعه حضور الذوق والأدب والمروءة والخلق الكريم..
[ 8 ] تقبل النقد بصدر رحب واحرص على الاستفادة منه..
وإذا ما كتب لك أحدهم بنقدٍ أو وجه لك ملاحظة على رد أو موضوع كتبته فلا تكابر وتحاول تبرير موقفك وتطويع المقاصد لإثبات صحة ما كتبته، بل تقبل ذلك النقد بصدر رحب، واحرص على الاستفادة منه في كتاباتك القادمة، واحفظ لمن نقدك هذا الجميل واشكره عليه، واطلب منه تعاهدك بالنصح بين الفينة والأخرى، فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ..
وإذا ما دوّنتَ على أحدهم ملاحظة أو نقدته فيما كتب فاحرص قدر استطاعتك على أن توصل له ذلك سراً، فلا مقارنة بين النصيحة في السر وبينها في العلانية، وإن لم تجد له عنواناً بريدياً خاصاً به فاطلب منه في موضوعه تزويدك به دون أن تحرجه بنقده ونصحه أمام الملأ..
[ 9 ] لا تنتظر الشكر والثناء من أحد..
وإذا كتبتَ كتابتك، رداً كانت أو موضوعاً، فلا تنتظر الشكر والثناء من أحد، ولا تبحث عن كثرة الردود، بل اخلص نيتك لله واطلب منه سبحانه الأجر والمثوبة على ذلك، وتكون بذلك قد حزت الخير العميم والأجر الوفير، كما يجدر بك سؤاله عز وجل أن يكتب القبول لما كتبته ويجعل له وقعاً في نفوس الآخرين، ولا يتحقق لك ذلك دون أن تخلص كتابتك له سبحانه ..
وإذا نجحت في تحقيق ذلك وصرفت اهتمامك عن طلب مدح أو ثناء فلن تجد في نفسك اهتماماً بشكر الآخرين ومديحهم وإن وُجد، فغاية ما يجب أن تحرص عليه هو نيل مرضاة الله..
[ 10 ] تذكر دائماً عند الكتابة قوله تعالى [ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ] ..
فكل ما تكتبه ستجده أمامك في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومن تذكر ذلك استعد له جيداً وحرص على أن يبقي سجله أبيضاً ناصعاً مشرقاً تزينه الكلمات الطيبة وتنيره الدعوات الصادقة وتخلو أسطره من السب والشتم والتعرض للآخرين وإيذائهم، وذلك أعظم مقصود حريّ بكل واحد منا أن يسعى لتحقيقه دائماً، فالله سبحانه مطلع على السرائر فضلاً عما نكتبه ونتحدث به، وإذا أدركت ذلك وآمنت به حقاً ازددت حرصاً على ألا تكتب إلا ما يشرفك ويرفع قدرك في الدارين..
[ 11 ] تنبّه أثناء الكتابة إلى أن كافة فئات المجتمع تقرأ ما تكتبه..
لابد أن تدرك أخي الكاتب وأنتِ أختي الكاتبة أن الانترنت عالم مفتوح للجميع، لا وجود فيه للأسرار والخصوصيات، ولا مكان فيه لتحديد فئة القراء إلا قليلاً، وإذا أدركنا هذا الأمر واستقر يقيناً في نفوسنا كان ذلك داعياً لنا إلى مراعاة مشاعر القراء فيما نكتبه، والذين هم في الغالب من كافة فئات المجتمع، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، أصحاء ومُعاقين، بل وجدنا من يتصفح الانترنت وهو أصمّ، ومن يتصفحه وهو أعمى..
فلا يليق بنا أن نكتب ما نجرح به مشاعر غيرنا، كالحديث بصورة قاتمة مظلمة عن الطلاق مثلاً ووصف المطلق أو المطلقة بأشنع الأوصاف وأقساها، أو عمّن يتصف بصفة خلْقية معينة كالسمنة أو الشخير أو غيرها، فكما لك الحق في اختيار كتاباتك فإن للآخرين الحق في قراءة مالا يتسبب لهم في الإزعاج والإيذاء..
كما أن الأمر هنا يشمل احترام عقول القراء حين الحديث عن بعض الأمور الخاصة، كالحديث عن الزواج أو التعدد أو ليلة الزواج الأولى وما يترتب على هذه المواضيع من تفاصيل يتصفد منها وجه المرأة حياءً مما تقرأ، وإذا كان المطلب مُلحاً في الكتابة عن مثل هذه الأمور فلنتخذ من القرآن والسنة منهجاً لنا في ذلك، بالتلميح دون التصريح ( أو لامستم )، والإيجاز دون الإطناب ( لتسكنوا إليها )..
[ 12 ] أبدع "كتابياً" في المجال الذي تحسنه..
ابحث عن المجال الذي تجيد الحديث فيه، ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً أو رياضياً، ثم ابدأ بالكتابة فيه مستعيناً بما لديك من معلومات ومعارف عنه، وحريصاً على أن تقدم للقراء ما ينفعهم ويجعل لموضوعك في نفوسهم أثراً نافذاً..
[ 13 ] لا تجعل لظروف حياتك العامة تأثير على كتاباتك..
وذلك بأن تجتهد في استقلال كتاباتك وعدم تأثرها بما تمر به في حياتك العامة من ظروف، سواء كانت مفرحة أو محزنة..
فقد تكتب في وقت فرح شديد فتبالغ فيما تكتب وتغض الطرف عن الخطأ أو لا تنتبه له، وقد تكتب في وقت حزن أو غضب فينعكس ذلك بصورة سلبية على كتاباتك، ويدرك الأمر فيما بعد من كانت له أدنى متابعة لكتاباتك السابقة..
فلا تكتب حينما تشعر بأن ظروف حياتك لها تأثير بارز على ما ستكتبه، بل اختر الوقت المناسب لذلك واهجر الكتابة في الأوقات التي تعلم أنك لن تقدّم فيها ما تقدّمه عند صفاء الذهن وخلوه من المشاغل والهموم..
[ 14 ] إياك أن تكتب في وقت الغضب..
ولا أبلغ في هذا من قول الحبيب صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" كررها ثلاثاً..
فالغضب - إن لم يكن على محارم الله أن تنتهك - فهو سلبي عليك وعلى كل من اتصف به، وإذا قٌدّر لك أن تكتب في وقت الغضب فستشعر بعد أن تهدأ بأنك قد كتبت كلاماً ربما تندم عليه طويلاً..
فابتعد عن الكتابة بالكلية إذا كنت غاضباً، وإياك أن تكتب أو تراسل وأنت مغضب، فسينعكس ذلك على كتاباتك ولابد.. :)