لم أكن أدرك أنني أغرس خنجراً في خاصرة الأسرة، حينما رأيت ابني الوحيد يتعاطى التدخين، وتغافلت عن ذلك حتى لا يضربه والده؛ على أمل أن يترك ذلك السلوك، وأخذتني العاطفة وتغاضيت عنه، حتى تم استدراجه من قبل مجموعة الشر التي يصاحبها إلى تجريب المخدر بحجة أنه مجرد منبه ومنشط أيام الاختبارات
وليت المسألة وقفت عند هذا الحد
بل تعدت ذلك بكثير
حيث أصبح ابني مدمن مخدرات، ولاحظت ذلك من خلال عينيه الحمراوين دائما وشروده الذهني، وعدم المبالاة في تصرفاته، بل وظهور التبلد في سلوكه
حتى أخته (الشابة) لم يعد يحفل بأمرها ماذا تلبس، أين تذهب، من هن صديقاتها؟؟..
كل هذه الأمور لم تعد تهمه، على الرغم من أن مسؤوليته تضاعفت بعد موت والده في حادث سير مما ضاعف مسؤولياتي وهمومي.
لم أتعود على استخدام القوة أو الشدة معه، بل اعتاد هو أن يأسرني بحديث عاطفي لينتزع مني ما يريده
صرت أبدو أمامه طيبة أكثر من اللازم
انفرط عقد النظام والانضباط داخل البيت
صار مجلسه ملتقى لشلة الهوى، حيث أصبح أصدقاؤه يرتادون منزلنا؛ بحثاً عنه وحرصاً على ملاقاته بشكل يومي، وهذا أتاح الفرصة لأن يرى بعضهم ابنتي التي في بداية سن الشباب، وهو غير مكترث لذلك.. بل جميعنا لم يكن يخطر ببالنا ما حدث،
في ظل هذا الوضع ضاعت الدراسة وانحدر مستواه التعليمي إلى درجات سحيقة بعد أن كان قبلها من الأوائل، فتحدثت معه كثيراً دون جدوى، ويبدو أنه قد تخطى مرحلة التأثر بالنصح والتوجيه؛ لأنه كان متأخراً جداً
حاولت معه كل الأساليب لإقناعه بالابتعاد عن تلك المجموعة، وكانت حجته في كل مرة أن هؤلاء من خيرة الأصدقاء وأنهم يحبونه ولا يرضون له السوء، ولا يستطيعون البعد عنه، أو يتحملون غيابه
كان بعض من العبارات تحمل سحراً يدغدغ عاطفتي فتنطفئ ثورتي وأترك النقاش في الموضوع
حتى توسعت دائرة الحريق في المنزل حين استطاع أحد أصدقائه أن يرى ابنتي حينما فتحت له الباب، حيث جاء يسأل عن أخيها، فأعجبته، وتحصل على رقم الهاتف وصار يحادثها هاتفياً، محاولاً إقناعها بأنه يحبها ويسعى للزواج منها.
لم يكن تصديق ابنتي وانسياقها وراء وعوده البراقة بأضعف من محاولة مراقبتي لها، ولم يكن أخوها أكثر حرصاً عليها من حرصه على مجموعته ومزاجه وهواه
ورغم خوفي الشديد عليهما، وحذري من ذلك الشاب وتلك المجموعة، فقد تسلل حديث الشاب المعسول إلى قلبها، وصارت تعيش تحت تأثير أوهامه، وتخديره، ولم أستطع إقناعها بخطورة الطريق الذي تسير فيه، لاحظتها أكثر من مرة تحادث ذلك الشاب عبر الهاتف، وعندما أسألها تنكر، وتدعي أنها تكلم إحدى صديقاتها، فأصبحت أمام مصيبتين، كلاهما أشر من الأخرى، الكذب وهو مفتاح كل شر، والأخرى إقامة علاقة عاطفية مع شاب سيىء وفاشل
أما أخوها فقد انجرف في هذا الطريق بعد أن أكمل الثانوية دون الحصول على معدل يدخله أي كلية أو معهد، ولا حتى وظيفة، فظل يلازم شلة السوء، حتى وضعته الجهات الأمنية تحت المراقبة المستمرة
وكان في كل ليلة يعود إلى المنزل قبيل الفجر يتثاءب.. ثم يواصل النوم حتى الظهر
وفي إحدى الليالي لم يأت في موعده المحدد، بل لم نسمع وقع خطواته كالمعتاد حتى الفجر، فأصابني القلق ولم أذق طعم النوم تلك الليلة
ولكن في الساعات الأولى من الصباح رن جرس الهاتف وكان في الطرف الآخر أحد رفقاء ابني الذي علم أن مكافحة المخدرات ألقت القبض على مجموعة من المدمنين والمروجين ومن بينهم ابني
لم تكن ابنتي تعلم أن أخاها مدمن ولا حتى أصدقاؤه، فأصيبت بصدمة عند سماعها نبأ القبض على صديق أخيها الذي أوهمها بالحب والزواج
أما أبنائي الصغار فكانت أسئلتهم عن أخيهم أكبر من أن أجيب عليها إجابة مقنعة
وهكذا تهاوت الأسرة
أب غيَّبه الموت
وأم عجزت..
بل تهاونت في تحمل المسؤولية
وتساهلت للحد الذي جعل الأبناء ينحرفون
وابن في السجن بسبب المخدرات
وبنت تجاوزت كل الأعراف والقيم والدين والأخلاق وأتاحت الفرصة لأحد الشباب أن يغازلها ويلعب بعقلها
وصغار مندهشون مما يجري ولا يجدون له تفسيراً، ولا يعرف أحد كيف يكون مستقبلهم ومصيرهم؟!!
البداية كانت خاطئة، لذلك أنتجت هذه النهاية المأساوية المحزنة
وكل ذلك بسبب التساهل والتهاون في أمور هي من صميم الدين
فأنا الآن نادمة كل الندم.. ولكن بعد ماذا؟!!
بعد أن حدث الذي كنا نخشاه، حيث لا ينفع الندم.
وأنا التي تسببت في كل ذلك، وأرجو الله أن يسامحني.
**
المرجع: مجلة بنات اليوم العدد (9)
وليت المسألة وقفت عند هذا الحد
بل تعدت ذلك بكثير
حيث أصبح ابني مدمن مخدرات، ولاحظت ذلك من خلال عينيه الحمراوين دائما وشروده الذهني، وعدم المبالاة في تصرفاته، بل وظهور التبلد في سلوكه
حتى أخته (الشابة) لم يعد يحفل بأمرها ماذا تلبس، أين تذهب، من هن صديقاتها؟؟..
كل هذه الأمور لم تعد تهمه، على الرغم من أن مسؤوليته تضاعفت بعد موت والده في حادث سير مما ضاعف مسؤولياتي وهمومي.
لم أتعود على استخدام القوة أو الشدة معه، بل اعتاد هو أن يأسرني بحديث عاطفي لينتزع مني ما يريده
صرت أبدو أمامه طيبة أكثر من اللازم
انفرط عقد النظام والانضباط داخل البيت
صار مجلسه ملتقى لشلة الهوى، حيث أصبح أصدقاؤه يرتادون منزلنا؛ بحثاً عنه وحرصاً على ملاقاته بشكل يومي، وهذا أتاح الفرصة لأن يرى بعضهم ابنتي التي في بداية سن الشباب، وهو غير مكترث لذلك.. بل جميعنا لم يكن يخطر ببالنا ما حدث،
في ظل هذا الوضع ضاعت الدراسة وانحدر مستواه التعليمي إلى درجات سحيقة بعد أن كان قبلها من الأوائل، فتحدثت معه كثيراً دون جدوى، ويبدو أنه قد تخطى مرحلة التأثر بالنصح والتوجيه؛ لأنه كان متأخراً جداً
حاولت معه كل الأساليب لإقناعه بالابتعاد عن تلك المجموعة، وكانت حجته في كل مرة أن هؤلاء من خيرة الأصدقاء وأنهم يحبونه ولا يرضون له السوء، ولا يستطيعون البعد عنه، أو يتحملون غيابه
كان بعض من العبارات تحمل سحراً يدغدغ عاطفتي فتنطفئ ثورتي وأترك النقاش في الموضوع
حتى توسعت دائرة الحريق في المنزل حين استطاع أحد أصدقائه أن يرى ابنتي حينما فتحت له الباب، حيث جاء يسأل عن أخيها، فأعجبته، وتحصل على رقم الهاتف وصار يحادثها هاتفياً، محاولاً إقناعها بأنه يحبها ويسعى للزواج منها.
لم يكن تصديق ابنتي وانسياقها وراء وعوده البراقة بأضعف من محاولة مراقبتي لها، ولم يكن أخوها أكثر حرصاً عليها من حرصه على مجموعته ومزاجه وهواه
ورغم خوفي الشديد عليهما، وحذري من ذلك الشاب وتلك المجموعة، فقد تسلل حديث الشاب المعسول إلى قلبها، وصارت تعيش تحت تأثير أوهامه، وتخديره، ولم أستطع إقناعها بخطورة الطريق الذي تسير فيه، لاحظتها أكثر من مرة تحادث ذلك الشاب عبر الهاتف، وعندما أسألها تنكر، وتدعي أنها تكلم إحدى صديقاتها، فأصبحت أمام مصيبتين، كلاهما أشر من الأخرى، الكذب وهو مفتاح كل شر، والأخرى إقامة علاقة عاطفية مع شاب سيىء وفاشل
أما أخوها فقد انجرف في هذا الطريق بعد أن أكمل الثانوية دون الحصول على معدل يدخله أي كلية أو معهد، ولا حتى وظيفة، فظل يلازم شلة السوء، حتى وضعته الجهات الأمنية تحت المراقبة المستمرة
وكان في كل ليلة يعود إلى المنزل قبيل الفجر يتثاءب.. ثم يواصل النوم حتى الظهر
وفي إحدى الليالي لم يأت في موعده المحدد، بل لم نسمع وقع خطواته كالمعتاد حتى الفجر، فأصابني القلق ولم أذق طعم النوم تلك الليلة
ولكن في الساعات الأولى من الصباح رن جرس الهاتف وكان في الطرف الآخر أحد رفقاء ابني الذي علم أن مكافحة المخدرات ألقت القبض على مجموعة من المدمنين والمروجين ومن بينهم ابني
لم تكن ابنتي تعلم أن أخاها مدمن ولا حتى أصدقاؤه، فأصيبت بصدمة عند سماعها نبأ القبض على صديق أخيها الذي أوهمها بالحب والزواج
أما أبنائي الصغار فكانت أسئلتهم عن أخيهم أكبر من أن أجيب عليها إجابة مقنعة
وهكذا تهاوت الأسرة
أب غيَّبه الموت
وأم عجزت..
بل تهاونت في تحمل المسؤولية
وتساهلت للحد الذي جعل الأبناء ينحرفون
وابن في السجن بسبب المخدرات
وبنت تجاوزت كل الأعراف والقيم والدين والأخلاق وأتاحت الفرصة لأحد الشباب أن يغازلها ويلعب بعقلها
وصغار مندهشون مما يجري ولا يجدون له تفسيراً، ولا يعرف أحد كيف يكون مستقبلهم ومصيرهم؟!!
البداية كانت خاطئة، لذلك أنتجت هذه النهاية المأساوية المحزنة
وكل ذلك بسبب التساهل والتهاون في أمور هي من صميم الدين
فأنا الآن نادمة كل الندم.. ولكن بعد ماذا؟!!
بعد أن حدث الذي كنا نخشاه، حيث لا ينفع الندم.
وأنا التي تسببت في كل ذلك، وأرجو الله أن يسامحني.
**
المرجع: مجلة بنات اليوم العدد (9)