ثم لا يجوز التساهل بأدنى سفر، كثير من الناس بعد وجود السيارات يتساهلون، فإذا خرجوا -مثلا- من الرياض مسيرة عشرين كيلو، أو أربعين كيلو تيمموا، ومعهم مياه كثيرة، قد تكفيهم لو توضئوا وكذلك -أيضا- يوجد حولهم قرى، أو مزارع، وقد يكون -أيضا- البلد قريب، ففي مثل هذا لا يجوز التساهل، إذا كان معهم ماء، ولا يقولون: إننا لسنا على آبار، أو مكائن، أو نحوها، فإن الماء الذي معهم كثير، ومعلوم -مثلا- أنه لو قل الماء معهم، لأرسلوا واردهم؛ ليأتيهم بالماء، بل لو فقدوا حاجة كملح الطعام أرسلوا من يأتيهم به.
فيدل على أنهم عندهم القدرة على تحصيل الماء، فلا يجوز التيمم والحال هذه، التيمم مع وجود الماء، أو مع القدرة عليه، أو على إحضاره يعتبر تساهلا؛ لأن الله -تعالى- يقول:
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً </A>
قد تشدد الأصحاب في طلب الماء، قال: إذا دخل الوقت لزمه أن يطلب الماء، ويبحث عنه فيما حوله لعله يجد مستنقعا، أو يجد غديرا ـ مثلا، أو يجد بئرا، أو نحو ذلك، يبحث، إلا إذا تحقق، تيقن، وتحقق أنه ليس عنده ماء، عدم الماء يكون للحبس، أو لغيره كالسفر ونحوه.
كذلك يباح التيمم إذا خيف باستعمال الماء، أو طلبه الضرر، إذا خاف أنه إذا استعمله تضرر بعطش له، أو لرفقته، أو لدوابهم، أو -مثلا- إذا استعمله فيه جرح تضرر، إذا غسل بالماء جرحه، أو خاف بطلبه الضرر، وذهب يطلبه خاف ضررا، كأن يكون هناك عدو يخافه، ويترصد له.
الضرر يكون بالبدن، أو بالمال، أو غيرهما، الضرر بالبدن كالجرح إذا غسله تضرر يعدل إلى التيمم، الضرر بالمال كالعطش إذا توضأ -مثلا- عطشت دابته، أو نحو ذلك. الضرر في غيرهما كالرفقة، إذا كان معه رفقة، وذهبوا يطلبون الماء تضرروا، إذا تيمم فعل كل ما يفعل بالماء، سوى نجاسة على غير بدن، يعني: إذا تيمم جاز له أن يصلي، وجاز له أن يقرأ في المصحف، وإذا كانت المرأة حائضا وطهرت، وتيممت جاز له وطء زوجته، وكذلك إذا تيمم عن جنابة جاز له أن يصلي، أو نحو ذلك.
يفعل كل ما يفعله إذا توضأ بالماء، إلا نجاسة على غير بدن، النجاسة التي على غير بدن يقولون: لا يرفعها التيمم.
اختلف في النجاسة التي على الثوب إذا لم يجد إلا هذا الثوب، لم يجد سترة يستر بها بدنه، ويصلي، وأصابه نجاسة كبول، أو غائط، أو دم، أو نحو ذلك هل يتيمم لها ؟
الأقرب: أنه يتيمم لها إذا لم يجد ثوبا غير هذا، وأما النجاسة التي على القدح -مثلا- أو على الفراش، فلا يرفعها التيمم؛ لأنه ليس ضروريا تطهيرها، وأما النجاسة التي على البدن إذا تنجس فخذه، ولم يجد ماء يغسله رفعها التيمم، لأنه إذا تيمم رفع الحدث، ورفع النجاسة التي على بدنه.
متى يشرع في التيمم، أو متى يجوز التيمم؟
بعد دخول الوقت، لا يتيمم قبله، فلا يتيمم لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر، ولا يتيمم لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا للمغرب قبل الغروب، ولا للعشاء قبل غروب الشفق، لا بد أن يكون التيمم بعد دخول الوقت؛ وذلك لأنه استباحة عبادة، فلا يتيمم إلا بعدما يدخل الوقت، وإذا كان يصلي غير الفرض، فلا يتيمم إلا بعدما يباح الفرض، فإذا -مثلا- طلعت الشمس انتقض تيممه لصلاة الفجر، أراد أن يصلي صلاة الإشراق، متى يتيمم؟ إذا أبيحت النافلة. متى تباح؟ إذا خرج وقت الفجر بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، يقدر بنحو عشر دقائق، أو ربع ساعة بعد طلوع الشمس، فإذا أبيحت النافلة تيمم لها.
ومن وجد ماء لا يكفي لطهارته كلها، استعمله وتيمم للباقي، وجد ماء قليلا، في مثل هذا الكأس غسل به وجهه، وغسل به ذراعيه وانتهى الماء، يتيمم عن الباقي، عن مسح الرأس وغسل الرجلين، وذلك لأنه وجد ماء، فاستعمله، فانتهى ذلك الماء قبل تكملة طهارته فيتيمم للباقي.
متى يتيمم؟ بعد الاستعمال، هل قبل أن تنشف أعضاؤه؟ الصحيح أنه يتيمم بعدما تنشف أعضاؤه؛ لأنه قد يلوثه التراب إذا تيمم ويداه رطبة.
إذا كان فيه جرح، فمتى يتيمم للجرح؟ يقول: عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، وهذا قد يكون فيه -أيضا- مشقة، وصورة كلامهم: إذا كان به جرح -مثلا- في يده اليسرى في الذراع، وعليه لصوق، أو نحوه يبدأ، فيغسل وجهه، مع المضمضة والاستنشاق، ثم يغسل يده اليمنى، ثم يغسل كف اليسرى، ويغسل ما يقدر عليه من غسله منها، كالمرفق، أو نحو ذلك، يبقى هذا الجرح لا يقدر على مسحه، إذا مسحه قد يتضرر، يتيمم له في هذه الحالة قبل مسح الرأس، فإذا تيمم له كمل الوضوء، مسح على رأسه وغسل رجليه، هذا معنى تيمم للجرح عند غسله؛ لأن هذا من الترتيب.
ولعل الأقرب أنه قد يشق عليه أن يتيمم، ويداه رطبة، وقد يكون التراب الذي حوله -مثلا- غير صالح قد يكون في داخل حمام مبلط، أو نحوه، فالأقرب أنه إذا انتهى من وضوئه كله تيمم لهذا الجرح، أما إذا قدر على مسحه، فإنه يمسحه، يبل يده، ثم يمسح هذا الجرح، إذا كان الجرح بارزا، فإن كان عليه -مثلا - شاشة، أو جبيرة مسح عليها وكفى.
وتقدم أنها إذا كانت زائدة عن قدر الحاجة، تيمم عن الزائد، إذا كان فيه جرح غسل الصحيح، يغسل أعضاءه الصحيحة، أو العضو الصحيح، إذا كان الجرح -مثلا- في العضد غسل الكف، وغسل أول الساعد، وغسل المرفق، يبقى الوسط الذي فيه هذا الجرح، أو فيه هذه الجبيرة، هو الذي يتيمم له.